لا تستطيع كل الممنوعات الخارجية ، والإملاءات السياسية ، أن تفصل التاريخ المشترك بين الوطنين العراقي والسوري ، فهما يرتبطان بتاريخ صاغته أولى الحضارات البشرية ، منذ اكثر من خمسة الاف سنة ، وعندما تقرأ ملحمة كلكامش عبر الادباء السوريين أو الادباء العراقيين ، فأنك لا تجد هناك فواصل بينهما ، فالتاريخ مشترك ، وحواضنه تكاد ان تكون مشتركة ، والطموح نحو غد افضل مشترك ، لذا فكانت الاحداث التي اصابت البلدين تكاد أن تكون في سياق مشترك ، وعلى وفق هذا الوضع الذي لا يستطيع أحد التعامل معه بعقلية انفصالية ، أو بطريقة تجنب ما يحدث في هذا البلد، هو بعيد عما يحدث للأخر ، رغم كل الشواهد تثبت بأن الاستهداف لكلا البلدين ، ينطلق من عقلية واحدة وأدوات التدمير واحدة وسياسات الالغاء واحدة ، فداعش التي اكلت اكباد السوريين ، هي ذاتها التي قطعت رؤوس العراقيين ، وعمليات التهديم والسرقة للتاريخ السوري ، جرى في العراق بنفس الطريقة وذات الأهداف .من هنا جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لبلاد الشام ، توكيدا لهذا التاريخ، وأن كانت متأخرة إلا إنها أوصلت الرسالة ، فسوريا التي لم يتخلى عنها العراقيون وقت كادت جحافل الموت ترسم بالدم عناوين دروبها وازقتها وشوارعها ، كان العراقيون يتوحدون بالدم مع أبناء الشام في الدفاع عن دمشق الممهورة بعشق العروبة ، لذلك لا يستغرب اخوتنا في التاريخ والجغرافيا والوطن المشترك ، والامل نحو غد جديد صاغه المضحين من اجل أبناء المرحلة القادمة ، نعم لم يستغربوا بوجود العراق اليوم متخطيا قوانين الحصارات ومتجاوزا لا الرفض في المرور بالشوارع الدمشقية .بالتأكيد زيارة واحدة لا تكفي ، والمهم هو الشروع ببناء شبكات من المصالح الاقتصادية والتجارية وتبادل المصالح بيت البلدين ، وبما إن قصر المسافة الجغرافية بين البلدين فأن هذا يسهل عمليات النقل ويقلل من الكلف مما يؤدي بالضرورة الى مقبولية الاسعار للمستهلك وكثرة المنتوج ، مما يساعد الشعبين بالحصول على البضائع بأسعار معقولة وبضاعة جيدة مفحوصة من الجهات ، المختصة .اصبح من الضرورة بمكان التفكير من المسؤولين والمختصين العراقيين في انتاج وتصدير الطاقة ، بإعادة العمل وتشغيل خط بانياس النفطي الذي يربط بغداد بسوريا وبغداد بلبنان عن طريق سوريا ، وبالتالي يكون العراق واحدا ابرز الدول المنتجة للنفط والغاز مستقبلاً تتمتع بخطوط متعددة للتصدير ، لاتحكمها املاءات الاخرين ولا تخضع لعمليات الابتزاز السياسي ، والجميع يعرف إن إيقاف هذا الخط نهاية السبعينات هو نتيجة لمواقف سياسية مستعجلة وبسبب سياسات عبثية خارج مصالح الشعبين وبالضد من النهج العروبي الذي يعزز العلاقة بين الشعوب والدول ، فالتفكير بتشغيل خط بانياس واحدا من مهمات المشتركات الاقتصادية إن لم يكن من ابرزها لكلا البلدان المطلة والمستفيدة من هذا الخط .إن واحداً من ابرز عناصر العدوان الإرهابي الدولي على سوريا هو امتناعها عن قبول مرور خط الغاز القطري عبر أراضيها وموانئها الى الدول الأوروبية وتستفاد منه إسرائيل ، لذلك من الضرورة أن يعمل العراق على تعدد خطوط تصدير النفط لكي لا يكون عرضة لسياسات فرض الارادات .لقد كانت سياسة السيد السوداني في تطوير وتعميق العلاقات مع محيطه العربي ومع الأصدقاء الاخرين واحدة من ابرز الافرازات الإيجابية وفي وصول العراق الى حيث ما كان محورا مهما اقتصاديا وسياسيا بين العديد من منظومات الدول ، ولعل تنافس الشركات العربية والعالمية والمستثمرين في المشاركة بطريق التنمية الاستراتيجي إلا نتيجة لقناعة هذه الأطراف بصحة المنهج الاقتصادي والسياسي لحكومة السوداني ، وهو نهج مقدر ومحترم لدى الشعب العراقي .إن عمليات النهوض والتطوير للبنى التحتية في العاصمة وعموم المحافظات يعزز الثقة لدى المستثمرين ويعطي فرصة واعدة ومهمة في مشاركات القطاع الخاص في هذه الخطوط البنيوية وفي تطوير الصناعات الأخرى الغذائية والصناعية والاستهلاكية لكي تكون واحدة من الصناعات التنافسية بين المنتجات العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص والصناعات الاسيوية الأخرى ، والعراق يمتلك من الابداع العقلي الشبابي مالم تمتلكه الكثير من الدول ، لو تم توظيفه بالاتجاه الوطني الصحيح بعيدا عن المحاصصة والمذهبية والعرقية لكان من ابرز المنتجين والمبدعين في المنطقة ..