قبل نقد أية ظاهرة سلبية، لابد من الإشارة والإشادة بما تقوم به أمانة بغداد من جهود جبارة ليل نهار، من أجل تقديم أفضل الخدمات، وإظهار بغداد بشكل يتناسب مع تأريخها الحضاري والثقافي، ويشهد العراقيون بأن عاصمتهم تختلف عما كانت عليه قبل ثمانية أشهر، لكن هناك من يحاول أن يفسد هذه الجهود كلها.
عُدّ الفساد كالنقطة السوداء التي تسقط في الماء الصافي تفسده ، وعلى الرداء الأبيض توسخه، وفي العمل المؤسساتي نقاط سوداء، متعمدة أو فاسدة أو ساكتة أو من تسيء الإدارة، تجعل حتى المخلصين في خانة الإتهام.
تبدأ واحدة من قصص الفساد، عندما يفكر مواطنٌ في بناء أو ترميم دار، حتى يدخل نفقًا يُلدغ فيه من كل جانب، وبذريعة القوانين والتعليمات والحرص على المصلحة العامة، يدفع أضعافًا ،و كأن الأمر جباية أصولية، فيشترط في إجازة البناء مساحة 200م ، بينما مدينة الصدر التي تشكل نصف سكان العاصمة، دورهم موزعة بمساحة 144م، فيما قسمت بقية الدور، وإنشطرت لمساحات تتراوح بين 100-30م للدار، نتيجة أزمة السكن في العاصمة وبقية المحافظات.
ابتكر الفاسدون وسائل متعددة للاستحواذ على الأموال، وهم كحشرة الأرضة، تكافحها هنا وتخرج لكلٍّ من هناك، وهكذا بعض المسؤولين يطلبون ممن أدنى منهم لجلب عمل، وفي أمانة العاصمة بحث عن زلة مواطن مرة اذا راجع مباشرة، وأخرى بين تجول موظفين أو لهم عيون في المناطق تخبرهم عن البناء والترميم، وليس هدفهم المحافظة على المدينة من البناء العشوائي وغير المجاز، بل اكتشاف مواطن فرصة فساد، وتبدأ القصة بالتهديد والابتزاز، لحين تدخل أحد الموظفين أو شخص تتصوره مستطرقًا، فيأخذك على جانب ويطلب دفع ( المقسوم)، وتبدأ المساومة العلنية، ومهما شرح صاحب الدار من طرفه، فلن ينقص المبلغ دون ما أرادوا أخذه، ثم يعطى الضوء الاخضر للبناء والترميم، وإن قطع شارعًا أو تجاوز على ماء وكهرباء ومجارٍ.
إن نقاط الفساد التي يقوم بها بعض الموظفين، تكاد أن تصبح ظاهرة عامة ويشترك بها من بائع الشاي على باب المؤسسة وصولاً الى اعلى مسؤول، حتى يكاد المواطن يتخوف من الشكوى وبذلك يدخل المحذور والمحظور، ويدفع اضعاف ما مطلوب بشكل أصولي أو ابتزاز، ودفع بعض الموظفين أموالًا كبيرة مقابل مناصب صغيرة ومرتبات قليلة، دليل على تورطهم في فساد أصبحوا يسمونه رزقاً.
فساد ثلة صغيرة أضاعت جهودًا كبيرة، وإخلاص في عمل وصل الى الجود والتضحية بالنفس، وكم شاهدنا عمال بلدية يعملون تحت حرارة الصيف المحرقة وبرد الشتاء، ومنهم من غرق في المجاري، وكثير من أولئك المخلصين، لا يكفيه راتبه لسد ابسط حقوقه الحياتية، والكل يشهد بجهود أمانة بغداد التي سارت على خطى البرنامج الحكومي، وأسماها حكومة خدمة، فلا تتركوا مجالًا لفاسدين يسرقون جهود الحكومة والأمانة.