يقول خبراءُ الإعلام: أن يعضَّ كلبٌ شخصًا أمرٌ لا يستحق التداول، لكن أن يعضَّ شخصٌ كلبًا أمرٌ يستحقُّ النشر، وهذا ما يُسمى *(مخالفة المألوف)* ، أو ما يُعرف في زمن التفاهة ب *(الطَّشة)* ..
وقَعت مخالفةٌ أخلاقيةٌ و دينيةٌ أثناءَ الحجِّ في زَمَنِ الإمامِ ابنِ الجوزي؛ إذ بينما الحُجَّاجُ يطوفونَ بالكعبة و يغرفون الماءَ من بئر زمزم، قام أعرابيٌّ فَحَسَرَ عن ثوبِهِ، ثمَّ بالَ في البئرِ و الناسُ ينظرون، فما كان من الحُجَّاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كادَ أن يموتَ. فخلَّصهُ الحرسُ منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبَّحكَ اللهُ، لِمَ فعلتَ هذا؟ قال الأعرابيُّ: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا كُليب بن الأبرص الذي بال في بئر زمزم!!
و مع شناعة الفعل و غرابته إلا أنَّ (كُليبًا بن الأبرص) التافه الأحمق قد دُوِّنَ اسمُهُ في التأريخ رمزًا للسخافة و السفاهة و الخَرَق، و إلا فما الداعي لهذه السلوك الشنيع إلا السعي الشديد لبلوغ المجد و الشهرة بأسلوب تافه.
قبل بضعة أعوام و أثناء مراجعتي أحد الدوائر الرسمية، لم أجِد لساعاتٍ مديرَ القسم، و غلبتُ كثيرًا في البحثِ عنه خارجَ غرفته، لكنِّي وجدته عندما أبلغني أحد الموظفين أنني مُمكن أن أعرفه لأنه ينتعلُ (نِعالًا)، لأنه يتحضَّرُ للصلاة منذُ ساعةٍ..
و بالرغم من أني وجدته بنعاله الرصاصي، لكنه بقيَ في ذاكرتي و ذاكرةِ كلِّ مَن يبحث عنهُ يومَها..
و في وقتنا الحاضر كَثُرَ البوَّالونَ في زمزمَ فتجد أحدَهم يسعى إلى الشُّهرةِ بقَدْرِ ما يُروِّعُ و يُخوِّفُ الآخرين، و الآخر بقدر ما يُفسد.ُ و يَنتهكُ من الأخلاق و العادات، و آخر بقدر ما يلهو و يلعب به من النِّعَمِ، و أُخرى بقدر ما تتعرَّى و تتكشَّف و تبُدي من جسمها و مكنونها!!!
مشاهيرُ الحُمق و الهَلس و التَّفاهة في زماننا هذا هُم وباءٌ و شَرٌّ و فِتنةٌ، ذلك أنَّ كثيرًا من أبنائنا و بناتنا بل و بعض الكهول الذين بلا عقول قد تأثَّروا بهم و يُتابعون جديدَهم بل قد اتخذوا منهم قُدُواتٍ.
لقد دفعني إلى كتابة هذا المقال ما رأيته من غرائب ما حصل في جلسة مجلس النواب في دورته الخامسة..
فبعضهم ارتدى كفنًا أمام أنظار شعبٍ يتطلَّعُ للحياة والأمل، وآخرين استقلوا (التُكتك) أمام مرأى و مسمع من شعبٍ يتطلَّعُ إلى البناء و العطاء و التقدم و الحضارة..
و ليس بغريبٍ أن نجدَ نائبًا يرتدي (دشداشةَ سملٍ مُمزَّقةٍ) لتُسَلَّطَ عليه أضواءُ الجماهيرِ المتطلّعةِ إلى الازدهار و الرَّخاء، و تستبشرُ بالنموذج الرخيص لتمثيل شعبِ الحضاراتِ و الأمجادِ..
هؤلاء النُّواب قد أفسدوا علينا ماءَ العراق المبارك.. و هواء العراق المبارك.. و أرض العراق المباركة، فاستحقُّوا أنْ يُسمَّوا ب *البوَّالون في زمزم*
لا كثَّرَ اللهُ من أمثالهم، و لا باركَ في أفعالهم ، و لا جعلَ اللهُ لهم قبولًا و لا إقبالًا عند أهلهم و شعبهم.
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي