لا يمكن أن توجد بعثة دبلوماسية أجنبية في العراق، لم تضع في حسبانها خطة طوارئ للرحيل أو الانتقال الى مقر مؤقت أو أية تدابير خاصة بظروف كل بعثة وامكاناتها. هذه بديهيات الوضع الامني للسفارات والبعثات في عاصمة شهدت أكثر من مرة اقتحام سفارة اجنبية وعدم تمكن سلطات الحماية المكلفة من فعل أي شيء. ربما انّ بعض الدول بعد السويد والدانمارك ستشهد حوادث التجاوز على المصحف الشريف، لكن ليس هذا مبعث الاحتياطات، وانما هي المفاجآت الدولية التي لها قراءتان مختلفتان دائما، الأولى قراءة خاصة بالعالم والثانية قراءة مغايرة في “العراق غير الرسمي” الذي تتحرك في شوارعه في لمح البصر قوى مسلحة او غير مسلحة قادرة على توجيه الأنظار نحو الحدث الذي هي مَن تقوم بصنعه.
رئيس الجمهورية قال ما معناه انّ هناك حملات في الخارج من اجل تحشيد الكراهية واثارة المخاوف من الوضع الأمني للسفارات في بغداد، وتلك حملة لتضخيم الحدث لغايات ما. رئيس الحكومة التقى بعد ذلك رؤساء البعثات الأجنبية وحاول طمأنتها في انّ السلطات المختصة كفيلة بتوفير الحماية للمقار الدبلوماسية. معلومات تلقيتها من مصادر دبلوماسية تفيد انّ هناك توجهات في بعض البعثات ببغداد لتخفيف الوجود في السفارات ذات “الظهر المكشوف” خارج المنطقة الخضراء المحمية، والتعامل تحت بند الطوارئ.
ليس الكلام هنا يخص ادانة العمل المستنكر والدنيء لعنصر، هو في بداياته كان من تربية “بعض” المليشيات، ثم وصل السويد وبات ألعوبة بيد الذين يجيدون التحريك في الوقت المناسب. لكن الكلام يخص كيف تقرأ عواصم العالم التي لها تمثيل في مقار دبلوماسية داخل العراق ما يجري حين يرون سفارة اجنبية تُقتحم وتُحرق وأخرى يجري افراغها ومغادرة كادرها. بالتأكيد انّ ادانة الدول لجريمة كراهية واضحة ضد الإسلام والمصحف الشريف في السويد والدانمارك، لا يعني انّ هناك أدنى رضا لدى تلك الدول عن التعاطي الرسمي العراقي مع الحدث لاسيما في عدم القدرة على منع حرق مقار دبلوماسية.
هناك حد فاصل بين الرسمي وغير الرسمي في العراق، ويجب على الحكومة العراقية ان تدرك التعاطي مع هذا الحد الفاصل بدقة، واقتدار، ومسؤولية، وعزم، وسرعة.
للبلد تاريخ متراكم من نفوذ قوى مسلحة كانت تقصف سفارة دولة هي ولية “النعمة السياسية” على موائد الطبقة التي بيدها السلطة في خلال عقدين كاملين، وانّ تكرار حوادث القصف قد يُعاد مجدداً في نفس الاتجاه او في اتجاهات متقاربة، وكل ذلك سيصب في هوة خلط أوراق ، لقوى من خارج الوضع الرسمي لها القدرة على اضرام الشرارة