تموز الساعة التاسعة صباحًا،الشمسُ اغدقت بحنانها ،الدلالُ الزائد مفسدٌ،تشققت جدارن الطينِ، شعاعًا فضيًا يتصاعدُ من صفائحِ السقفِ،الحماماتُ فاغرةٌ افواهها،تطايرت رائحةُ البالوعةِ وحملقَ في سمكتي الصبور كقلب حبٍ فضي ،ازداد ضمئهُ،جسدهُ ينزُ عرقًا منذ أن انقطعَ التيارُ الكهربائي ،دوائر تموج الذبابات منرفزة عضعضتها وطنينها ،هرعَ الحيُ الى معمل الثلج،لكزهُ ابوه بعصاه :هيا بنا .
مشيا مسرعين ،توخزه الحصا وترتطم اصابعهُ ،في نتوائاتِ الارض،نغزات في رأسهِ أثر اللسعات اللاهبة في باطنِ قدمه ،رمقَ ابوهُ يمشي كأبلهٍ ذاهلًا ،سلبَ وقارهُ قالب الثلجِ،شعرَ بالشفقةِ حياله ،انتحبَ صمتًا ،زادَ من سرعتهِ ، التصقَ بأبيهِ تعطّفًا،نهرهُ أبوهُ زاعقًا: امشي مثلَ بني آدم ،سلمَ ابوهُ على احدهم مكلمهُ ،هذا بلدنا العظيم ،كلابًا نلهثُ وراءَ الثلجِ ،اجتازا الرجل مسافةّ ليست بالبعيدةِ، وصلا الى معملِ الثلجِ،فوضى عارمة،الطابورُ افعى تزحفُ ،ضجيجا مدويا ،لغطهم المتناثر كتلامذة صفٍ من غيرِ معلمٍ ،رمقَ معلمه،حملق بهِ مندهشًا ،اشاحَ المعلمُ بصره خجلا،وقفَ بجسدهِ الصغير مهضومًا على معلمهِ ،نزلتْ دمعةٌ دونَ جوازِ مرورٍ ،اوقفهُ ابوهُ في الطابورِ ،وجلسَ بالقربِ منهُ ،كجلسةِ مرحاضٍ،فتحَ بابَ المعملِ ،انهمرَ سيلًا من الناسِ داخله ،اغلقَ البابَ،وجدَ نفسه خلف رجل كبير مرتدي بزةً زرقاء ،ورأسهُ الفضيُ ملفوفًا بشماغ احمر ،وخلفه مراهقا مربوع البنيان كنيادرتالي،ووجهه كتقيء سكران ،شاهدَ في جيبِ،ذو البزة الزرقاء ،رزمةَ نقودٍ ،افاقَ وحشًا في داخلهِ،تلمسَ الجيب من الخارجِ ،حملقَ بشبق.
كلما ارادَ أن يدخلَ يده لسحب النقودِ،تضربهُ عصا خوفه ،سحبه النيادتالي بقوةٍ ارادَ أن يحلَ مكانه ،إلا أنهُ تشبث بضراوةِ بقفا ذو البدلة الزرقاء،لم يتزحزحْ ،مدَ النيادرتالي بوزهُ بأذنهِ: تريد ان تسرق الرج؟حرامي، منذ ربع ساعة وانت تحدق بجيب الرجل،اقشعرَ بدنهُ ،شحب كضب ،فتحَ البابَ مجددًا ولجَ داخله دونَ أن تمسسَ رجليه الارض كأنهُ طارَ بقدرةٍ خارقة،بعد إن حصلا على الثلجِ ،عندَ الخروجِ شاهدَ النيادرتالي يحملُ قالبَ ثلجٍ، التفتَ عليهٍ النيادرتالي قائلا: النحس الجبان .مشى النيادرتالي مدمدما فوت الفرصة النحس الجبان…