حين تقرأ عن حدثٍ ما في التاريخ ، فهو بالنسبةِ لك مجرّد معلومة . لكنْ حين يقع الحدث خلال حياتك فهو معلومة وانفعال . ولذلك نحن نسمعُ عن انتحار هتلر أو مقتل الملك أو اغتيال الرئيس الامريكي أو أي حدث في التاريخ بغير الطريقة التي سمع بها معاصرو تلك الحوادث . نحن نتلقاها معلومة مجردة بلا تفاعل . فيما نتلقى أي حدث عاصرْنا وقوعة مثل حوادث الاغتيال أو اعلان الحرب أو نهايتها. فالخبر هنا معلومة وانفعال لانه فاجأنأ واثّر في حياتنا . ولك أن تتخيل وانتَ تتابع الحربَ عند انتهائها او مقتل قائد أحد اطرافها ، والامثلة كثيرة .
الخبر الذي ياتينا من التاريخ معلومة ، والخبر الذي يحدث في حياتنا معلومة وانفعال .
مالذي تفعله الشعائر الحسينية التي تتجاوز مراسيم إحياء الذكرى الرمزي الى تجسيدها واستدراج عاطفة الناس اليوم لتفحص الحدث ودراسته ومعرفة تداعياته.
ان الشعائر الحسينية تحوّل حدث استشهاد الإمام الحسين وآل بيته وصحبه عليهم السلام من مجرد معلومة تاريخية الى انفعال وكأنه حصل اليوم . ولذلك يتحول مبدأ احياء ماوقع في ذلك اليوم من ذلك العام من ( نتذكر ماحدث ) الى ( نعيش ماحدث ).
ونعيش ماحدث كانه حدث اليوم بكل ردات الفعل الانسانية والاخلاقية والعاطفية انما يجعل درس هذه الماساة حاضراً . بل ان تصحيح انحراف الدين هذه المهمة العظيمة تتطلب تضحية عظيمة بحجمها كما فعل الامام الحسين بتحديه اعداء الدين ودفع حياته ثمنا لذلك .
لكنّ هذه الشعائر شهدت صنفين من الأداء ، اداء رفيع المستوى يجسد باحترام كامل لمقام الائمة جميعا والامام الحسين عليه السلام تحديدا بل كانت وماتزال موضوعا للدراسات الاكاديمية التي تبحث في العناصر الدرامية لتجسيد الماساة انتجت في ضوئها عشرات الاطاريح ورسائل الماجستير في العالم ، ومنها رسائل محفوظة ضمن محتويات الجامعات العريقة لاسيما في لندن ، لانها تربط بين الدرس الاكاديمي لعلاقة الشعائر الحسينية بالانجاز الانساني الفني ، وهناك تجسيد يحطّ من قدر كرامة الانسان حين تجد بعض الناس يسحبون بالسلاسل ويعوون كالكلاب بوصفهم عبيد للائمة وهو ما لايرتضيه الامام الحسين واهل بيته حيث كانت ثورة الحسين ثورة للتحرر من العبودية وانهاء حكم الفسق والفساد باسم الدين ولعل كلمته الخالدة للبشرية ( كونوا احرارا في دنياكم ) ظلت منهجا للحرية والعدل والثورة على الظالمين . ولعل ذلك مادعا المرجعية الدينية في اكثر من موقف الى التوصية بضرورة ضبط الشعائر وتشذيبها من الاساءة غير المقصودة او المقصودة من المندسين لتشويه رفعة هذه الشعائر. كما أوصت بضرورة تمتع خطيب المنبر بالثقافة المتوازنة والعلم الذي يظهر فكر الأئمة ومنهجهم الاصلاحي الذي نادوا به وضحَّوا من أجله ، ليعلم الشباب الجدد الذين تختلط عليهم الأوراق أنّ الحسين فكر ومنهج افاد منه حتى غير المسلمين في التضحية واعلاء كلمة الحق، وأخيراً انتصار الدم على السيف في عبرة انسانية تجلّ عن الوصف ولايمكنُ لعاقلٍ في هذا العالمِ انكارُها .
اذاً مهمة الشعائر الاحيائية هذه لها اهميتها فيما لو تجردت عن المظاهر غير الصحيحة، لاسيما ونحن في عصر الاعلام الرقمي ووسائل التواصل واسعة الانتشار ويمكن استغلال ماهو غير صحيح وتسليط الضوء عليه فقط . ولعل ذلك من اهداف اعداء هذه الثورة الاصلاحية التربوية الفكرية العظيمة التي قاومت لمئات السنين كل من حاول اخفاءها أو منع الحديث فيها أو محاربة تجسيدها بايمان وموضوعية واحترام ..