عندما يتم تخريب أبراج الطاقة الكهربائية، في فصل الصيف اللاهب في العراق، لا يمكن النظر ببراءة او بشكل روتيني الى ما حدث بوصفه عملاً تخريبياً او إرهابياً في سياق الالاف من الحوادث التي مرّت على البلد. التخريب بهذه الحالة يتصل بملف الكهرباء من جميع النواحي، من حيث الشركات التي تزودنا بالغاز، والشركات التي تتطلع لعقود انشاء محطات، والشركات التي تريد ان تكون بديلة في هذا القطاع، وهناك أسباب سياسية يعرفها اقطاب القوى فضلاً عن مصالح ضيقة داخل المحافظات التي تمر عبر أراضيها الخطوط والابراج. ذلك انّ الكهرباء ملف كبير يتجاوز الوزارة التي تحمل اسمه الى كيان الدولة كله. من هنا تتصل التحقيقات بكل تلك الجوانب إذا كان هناك أحد معني بتقصي الحقائق وعدم رمي كل تخريب على العنوان الواسع، الإرهاب.
أمّا الجانب الآخر من مشكلة الكهرباء، التي لا تعد جوانبها ولا تحصى، فهي الكمية المنتجة، اذ تقول الجهات الحكومية انّ الإنتاج وصل الى 24 ميغاوات، وانّ الحاجة الفعلية هي 34 ميغاوات لكي يكون التيار مستمراً على مدار الساعة ويغطي جميع انحاء العراق. وهذه النسبة الإنتاجية ليست معلنة للمرة الأولى، فقد سمعناها من جميع الحكومات التي مرّت أمامنا. ما نسبة مشاركة القطاع الخاص في الانتاج وما نسبته في التوزيع، وما نسبة نمو هذا القطاع منذ اول مساهمة له.
هناك أصحاب اختصاص تحدثوا كثيرا عن تفاصيل ما يحتاجه العراق من شبكات ومحطات توليد الكهرباء، لكن الذي يهمني هنا هم مقدار العناية السياسية والإدارية التي توليها اية سلطة تتولى الأمور في بغداد، في التعامل مع مشكلة الكهرباء المزمنة.
ثمة جوانب محلية وإقليمية ودولية تحيط بقضية الكهرباء، انها فعلا قضية بثلاثة رؤوس، ولن تنجح اية حكومة في تميل نحو جانب واحد وتركز عليه في التعاطي مع المشكلة، وهي تعلم انها لا تصارح نفسها ولا شعبها بحقيقة وضع ازمة، كل الدول تنظر اليها وتدرك حجمها ، وكانت هناك مسارات دولية ضاعت ولم يفد منها البلد في حسم مشكلة الكهرباء ، حتى تجذرت وأصبحت جزءً من ملف مساومات وتوافقات وابتزاز محلي او إقليمي ، فيما لم يعد العالم يبدي أي اكتراث بمشاكل العراق الداخلية ، لولا بعبع الإرهاب