قليلونَ‭ ‬أولئكَ‭ ‬الذين‭ ‬لمْ‭ ‬ينتموا‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬إلى‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬مرحلة‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬قدْ‭ ‬روَّجَتْ‭ ‬بوسائلٍ‭ ‬عديدةٍ‭ ‬ومتنوعةٍ‭ ‬إلى‭ ‬حزبها‭ ‬العفلقي؛‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الترغيب‭ ‬أو‭ ‬بالإكراه‭ ‬والتهديد‭ ‬والوعيد،‭ ‬فأنَّ‭ ‬معظم‭ ‬الذين‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحزب‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬إيمانٍ‭ ‬برسالته‭ ‬وأهدافه؛‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أرادوا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬واستمرار‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬إلى‭ ‬عوائلهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬السنوات‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أنَّهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الحزب‭ ‬الظالم،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الامتيازات‭ ‬التي‭ ‬وهبها‭ ‬الطاغوت‭ ‬للكوادر‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬حزبه‭ ‬التعّسُّفي‭ ‬والعجيب‭ ‬والغريب‭ ‬بتحولاته‭ ‬الدراماتيكية؛‭ ‬وكلنا‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬مجزرة‭ ‬قاعة‭ ‬الشعب‭ ‬بحق‭ ‬كوادره‭ ‬الحزبية‭. ‬لست‭ ‬هنا‭ ‬أريدُ‭ ‬خلط‭ ‬السُم‭ ‬مع‭ ‬العسل‭ ‬ولكني‭ ‬أشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬اجتهدوا‭ ‬ونجحوا‭ ‬بالإفلات‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬التنظيم‭ ‬الحزبي‭ ‬العفلقي‭ ‬حينذاك،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنَّهم‭ ‬خسروا‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬أموالهم‭ ‬وصحتهم‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬حالتهم‭ ‬النفسية‭. ‬هؤلاء‭ ‬المستقلون‭ ‬الحقيقيون‭ ‬يشبهون‭ ‬كثيراً‭ ‬طائفة‭ ‬المعتزلة‭ ‬الذين‭ ‬لمْ‭ ‬يحصدوا‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬سوى‭ ‬شرف‭ ‬الكلمة‭ ‬والضمير،‭ ‬بينما‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬بعض‭ ‬المستقلين‭ ‬المزيفين‭ ‬يندمجون‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬عجيبةٍ‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬حزبٍ‭ ‬يمسك‭ ‬بزمام‭ ‬السلطة،‭ ‬فبعدما‭ ‬كانوا‭ ‬أصدقاء‭ ‬للحزب‭ ‬العفلقي‭ ‬وبرهنوا‭ ‬على‭ ‬إخلاصهم‭ ‬إلى‭ ‬أهدافه‭ ‬الدمويَّة،‭ ‬تراهم‭ ‬الآن‭ ‬أشد‭ ‬إخلاصا‭ ‬وولاءً‭ ‬للحزب‭ ‬المتنفذ‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭. ‬ولا‭ ‬أظنُّ‭ ‬أنَّ‭ ‬أحداً‭ ‬يجهلهُ؛‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعلانٍ‭ ‬مادام‭ ‬زعيمه‭ ‬يدير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة‭ ‬بالخفاء‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬عجز‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬سدَّة‭ ‬الحكم‭ ‬لأسباب‭ ‬كارثية‭ ‬ارتكبها‭ ‬خلال‭ ‬حكمه‭ ‬ولمْ‭ ‬تعدْ‭ ‬خافية‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬وبذلك‭ ‬أثبتَ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستقلين‭ ‬البرغماتيين‭ ‬أنَّهم‭ ‬يصعدون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مركب‭ ‬يبحر‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬والنفوذ‭. ‬بينما‭ ‬نجدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬المستقلين‭ ‬الأنقياء‭ ‬قدْ‭ ‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬استقلاليتهم‭ ‬وعزلتهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬النيَّرة‭ ‬البيضاء‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬بالعراق‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭. ‬أجلْ‭ ‬لقد‭ ‬تمسَّكوا‭ ‬بنزاهتهم‭ ‬وإبائهم‭ ‬وكبريائهم‭ ‬برغم‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬التي‭ ‬واجهتهم‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬تحيط‭ ‬بهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬ولم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬امتيازات‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الزائل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬لكنهم‭ ‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬مرفوعة‭ ‬أمام‭ ‬الناس؛‭ ‬ولم‭ ‬يتوانوا‭ ‬من‭ ‬انتقاد‭ ‬الحكومة‭ ‬بصراحةٍ‭ ‬جريئةٍ‭ ‬حين‭ ‬تتاح‭ ‬لهم‭ ‬فسحة‭ ‬من‭ ‬المناخ‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬ينتعش‭ ‬قليلاً‭ ‬مع‭ ‬تحولات‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬قمعي‭ ‬إلى‭ ‬نظامٍ‭ ‬مازلنا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬رأسه‭ ‬من‭ ‬قدميه‭. ‬هؤلاء‭ ‬المستقلون‭ ‬الشجعان‭ ‬أصبحوا‭ ‬مصدر‭ ‬إزعاجٍ‭ ‬ويشكّلونَ‭ ‬عقبة‭ ‬كأداء‭ ‬أمام‭ ‬الأحزاب‭ ‬المتنفذة‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬وأركان‭ ‬الدولة‭ ‬ودوائرها‭ ‬الحكومية،‭ ‬بلْ‭ ‬إنَّ‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬دفَّة‭ ‬السلطة‭ ‬الآن؛‭ ‬أشدُّ‭ ‬ما‭ ‬يؤرقها‭ ‬رؤية‭ ‬مستقلٍ‭ ‬حقيقيٍ‭ ‬يعترض‭ ‬طريقهم،‭ ‬صحيح‭ ‬أنَّ‭ ‬هذهِ‭ ‬الأحزاب‭ ‬نجحتْ‭ ‬بلجم‭ ‬أفواه‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬البائد؛‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بمقدورها‭ ‬هزيمة‭ ‬أحد‭ ‬المستقلين‭ ‬النبلاء‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ينتمون‭ ‬إلاَّ‭ ‬للوطن‭ ‬والفقراء‭ ‬والمعدمين‭. ‬ولذا‭ ‬باتت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬تفكر‭ ‬بالسبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬لأسكات‭ ‬حناجر‭ ‬المستقلين،‭ ‬ولما‭ ‬شعرتْ‭ ‬بعجزها‭ ‬من‭ ‬مجابهتهم‭ ‬علناً‭ ‬بدأت‭ ‬تحاربهم‭ ‬بالخفاء،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬قرَّرتْ‭ ‬توزيع‭ ‬قطع‭ ‬الأراضي‭ ‬وضعتْ‭ ‬المستقلين‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬القائمة،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬وهبتْ‭ ‬بعض‭ ‬المكارم‭ ‬للناس؛‭ ‬فهي‭ ‬تعمد‭ ‬على‭ ‬نسيان‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستقلين،‭ ‬أجلْ‭ ‬فالحكومة‭ ‬ترى‭ ‬هذه‭ ‬الطائفة‭ ‬من‭ ‬المستقلين‭ ‬أشدُّ‭ ‬خطورة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬وأنَّهم‭ ‬يهدّدونَ‭ ‬مستقبلها‭ ‬الحكومي؛‭ ‬والسبب‭ ‬لأنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستقلين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يحتفظون‭ ‬بنظافة‭ ‬قلوبهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬الراديكالية‭ ‬وبحبهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مكاسب،‭ ‬وأنَّ‭ ‬أصواتهم‭ ‬لأشد‭ ‬رعباً‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المفخخات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنفجر‭ ‬هناك‭ ‬وهناك‭. ‬ليس‭ ‬بعيداً‭ ‬أنْ‭ ‬تلجأ‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستقلين‭ ‬لأنَّهم‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬بوسعهم‭ ‬الوقوف‭ ‬تحت‭ ‬نصب‭ ‬الحرية‭ ‬وهم‭ ‬يرفعون‭ ‬يافطات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬بوجه‭ ‬أرباب‭ ‬الفساد‭ ‬والحيتان‭ ‬واللصوص‭ ‬الذي‭ ‬يحتمون‭ ‬بمظلة‭ ‬الأحزاب‭ ‬المتنفذة‭. ‬كان‭ ‬الله‭ ‬والوطن‭ ‬الحبيب‭ ‬بعون‭ ‬المستقلين‭ ‬النبلاء‭ ‬وحشرني‭ ‬الله‭ ‬معهم‭ ‬عندما‭ ‬تحين‭ ‬ساعة‭ ‬استشهادهم؛‭ ‬إنَّهُ‭ ‬سميع‭ ‬مجيب

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *