ليس مهماً، كم حزباً بات مسجلاً في العراق اليوم، فتلك أحزاب لا تحمل من صفات الحزب سوى ما يجيز لها الالتزام بتعليمات مستحدثة تجيز منحها الرخصة لخوض الانتخابات البرلمانية.
في تاريخ العراق الحديث، كانت الأحزاب المؤثرة في الشارع لا تتجاوز العشرة في أحسن الأحوال، عبر العهود الملكية والجمهورية، في وقت كان اسم الحزب راسخاً لا يعنيه التقنين والاستجابة لمتطلبات حكم ملكي أو جمهوري، ولا يتأثر بحظر أو حل أو منع، لأنه حزب مؤسس على تكوين عقائدي وساع نحو أهدافه من دون الالتفات الى ما يطلبه الاخرون منه او يفرضونه عليه، هكذا كانت أحزاب “الشيوعي” و”البعث” و”الاخوان المسلمين” و”الدعوة” و”الديمقراطي الكردستاني” وسواها القليل. حتى انّ الأحزاب التي كانت ناشطة في العهد الملكي واقترنت بمصطلحات “الاستقلال” و”الوطنية” و”القومية” لم تتوافر على ما يميزها لأنها كانت تأخذ من كل اتجاه بطرف، فهي مزيج من مفاهيم وطنية قد تلتقي معها الأحزاب الأخرى بمكان أو آخر.
اليوم نجد ولادة أحزاب جديدة مع كل دورة انتخابية لمجلس النواب، ونجد بسهولة ساذجة تحوّل تجمعات عشائرية او طائفية او مسلحة الى أحزاب، من دون ان تكون هناك أدنى الشروط النظرية أو ان يكون هناك
آليات صحيحة في الانبثاق والولادة والتنظيم والانتماء خطوة بعد خطوة. وفعل الصدريون حسناً حين تمسكوا بتسمية التيار ولم ينزلقوا الى معمعة الأحزاب، بالرغم من انهم مارسوا احياناً أدواراً ذات طبيعة حزبية وكانوا أقرب للحزب من خلال قواعد نظرية صارمة ترتبط بلائحة الولاء المتفق عليها.
الفلوس السياسية تصنع تجمعات مؤقتة لخوض انتخابات، على أساس انتهازي ونفعي ، غالبا ما كانت مليئة بالتزوير وشراء الذمم وعدم الشرعية الحقيقية لتدني نسبة المشاركة، لكن الفلوس، وهي بالملايين المصدرة من الخارج لأشخاص يدعون تمثيل فئة او جهة، لا تصنع حزباً سياسياً يؤمن أعضاؤه به كعقيدة سياسية وقابل للديمومة وعدم التلاشي مع نفاد الفلوس أو سقوط صاحب المال، كما يؤمن “الشيوعيون” أو “الاخوانيون” أو “البعثيون” أو “الدعاة” أو “البارتيون” بأحزابهم.
هناك مرحلة سطحية وساذجة من التاريخ السياسي للعراق الحديث تبلورت في العقدين الأخيرين، سيتناولها المؤرخون ذات يوم حتماً، حين تزول المؤثرات الداخلية والخارجية