(أقفرَ مِنْ أهلِهِ ملحوبُ)، ما الذي يجري يا عبيد بن الأبرص؟
و(رَقَّت حَواشي الدَّهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ وَغَدا الثَرى في حَليِهِ يَتَكَسَّرُ)، ما الذي يحصل يا أبا تمام؟.
وذهب الذين نحبهم، أيضا؟، نعم، ودائما يذهب الذين نحبهم، والزمان لا يتركنا بل يمسنا بالضُّر، وهكذا نحن: (من المنون وريبه نتوجع) مثل أبي ذؤيب الهذلي، ومثل المتنبي، الذي قال:
(وكنتُ قُبَيْلَ الموتِ أستعظمُ النَّوى فقد صارتِ الصُّغرى التي كانتِ العُظمى)
الفراق هيِّن، بالمقارنة مع الموت، فبعد الفراق لقاء، ولا لقاء بعد الموت،
كان عمرو بن معد يكرب الزبيديُّ الطائيُّ يقول:
ذهبَ الذينَ أحبُّهم وبقيتُ مثل السَّيفِ فردا
وكان جدنا الإمام الحسين (عليه السلام) يقول:
ذهبَ الذينَ أحبُّهم وبقيتُ في مَنْ لا أحبُّهْ
وأقول، بعد أن اشتريت حفنة من الأمل:
ذهبَ الذينَ أحبُّهم والخير في مَنْ قد تبقى
منذ أن وُلدنا وحين نقتفي أثر الموت، الموت يسير ونحن وراء الموت نسير، يأخذنا بيديه إلى قبورنا، الحياة كلها هو أن نقتفي أثر الموت، عبورا إلى قبورنا، وقد يستغرق ذلك العبور دقيقة واحدة وقد يستغرق عمرا طويلا، فالأعمار بيد خالقها، ونحن ممثلون في قصة (العسل والبئر) المعروفة، نتلهى بتناول العسل، ولا ندي بما يجري حولنا وتحتنا، نسلو
علِّل النَّفسَ بالسُّلُوِّ وبادرْ واجلبِ الأُنسَ والصَّفاءَ إليها
واذا مسَّها الزَّمــــــانُ بضُرٍّ لا تكنْ أنتَ والزَّمــــــانُ عليها
والموت حبا معروف وقديم، و(حامل الهوى تعبُ) كما قال أبو نؤاس،
والموت فراق، ويا له من فراق مدمر!، ومظفر النواب ينوح ونحن ننوح معه طربا:
يا زين الأوصاف/ أصبر على الموت/ ما أصبر على فركتك
ونصبر على الموت، وهل لنا غير أن نصبر على الموت صبرا جميلا؟.