-1-
أنا لا أكتمك ايها القارئ العزيز أني شديد التوق للوقوف على كل قصة وحكاية من قصص الرجال الذين لم ينسلخوا من التمسك بأهداب الاخلاق والقيم الانسانية وانْ ساقتهم ظروفهم الى الوقوع في المطبّات فاجترحوا ما اجترحوا مِنْ اساءات ومفارقات واختراقات للخطوط الحمراء .
-2-
وقد أورد صديقنا العزيز الباحث الموسوعي الاستاذ المهندس الحاج عبد الكريم الدباغ – حفظه الله – في كتابه الصادر حديثا (كشكول الكاظميات في القصص والحكايات) – وهو كتاب مُمْتِعٌ جامعٌ لِحُزْمَةٍ من الحكايات والقصص النافعة – قصة نقلها عن كتاب الأديب المرحوم الشاعر الاستاذ محمد سعيد الكاظمي الذي اسماه ( من أعماق الذاكرة ) :
وخلاصتها أنَّ جَدّ الشاعر الكاظمي تَعَرّضَ الى عملية سَلْب لم تُبقِ معه شيئا عدا ما يستر العورة، وهكذا كان حال مَنْ مَعَهُ مِنْ رقاقه سفرتهِ .
وقد كان جَدّهُ يرى رجلاً مِنْ تلك العِصابة السارقة يطيل النظر اليه والتحديق بوجهِهِ، وكان هذا الفاحص مِنْ ذوي الشأن والنفوذ في تلك الزمرة السارقة الى أنْ تمت المكاشفة بينهما حيث قال له السارق المحترف :
ألم تعطني كيسا مملوءً بالتبغ وورقا وقداحةً، وعيّن له الزمان والمكان ؟
وكان في جملة ما أجاب به المسروق :
( من عادتي أنْ لا أبخل في جميع الاحوال على أحدٍ انتَ أو غيرُكَ )
ثم انّ السارق أيقن أنْ المسروق هو الذي أحسن اليه وأكرمَهُ سابقا فبادر الى إرجاع كل ما انتُهب منه ومن رفاقِهِ رغم معارضة افراد العصابة لرئيسهم .
راجع كشكول الكاظميات في
القصص والحكايات ص 131 – 132
-3-
لقد أظهرت القصةُ أنّ السارق المحترف للسرقة لم يكن يستسيغ سرقة مَنْ أكرمَهُ وأحسنَ اليه في يوم من الأيام ،
اي انه كان يحفظ اليد ، ويأنف مِنَ الاساءة الى المُحسن ، وهذه احدى القيم النبيلة في القاموس الأخلاقي .
والمؤسف بل المبكي أنَّ الكثير من المحترفين السياسيين العراقيين الذين تسللوا الى مواقع ومناصب مهمة في العراق الجديد لا يملكون ما كان يملكهُ محترف السرقة الذي أبى أنْ يسيء الى من أحسن اليه .
-4-
انّ الذين ضيّعوا مكارم الاخلاق ولم يحفظوا اليد قد أساؤوا الى أنفسهم اولا قَبْلَ أنْ يُسيئوا الى الاخرين، وباؤوا بالعزلة وسخط الناس عليهم، هذا فضلا عما ينتظرهم مِنْ مساءلةٍ وحساب في الاخرة ، وهذا هو الخسران المبين .