في ضوء معطيات الاحداث في النيجر ، لم يكن الانقلاب العسكري على الرئيس النيجري المنتخب ، هو عملاً عسكرياً مغامراً لمجموعة من الضباط ، وإنما هو استجابة لرغبة شعبية اولاً ، ولوقف عمليات التجويع لملايين الناس ثانيا ، ولوقف الهدر بخزائن النيجر فوق الأرض وتحتها ثالثاً ، والخلاص من الوصاية السياسية والعسكرية الغربية عموما والفرنسية على وجه الخصوص رابعاً ، هذه مخرجات عمليات الانقلاب العسكري في النيجر على وفق مجمل ما ترشح من التغيير في النيجر ، وقد اثبتت هذه الوقائع عملية التأييد الشعبي العارم للتغيير العسكري ، والاستعداد الجماهيري في مواجهة أي غزو أو عدوان خارجي ضد النيجر ، لو كان الأمر غير ذلك لما احتشدت الجماهير في مواجهة كل محاولات العمل الخارجي ضد جمهورية النيجر .
امتلاك خيرات
والنيجر ليست دولة فقيرة ، وإنما دولة تمتلك الكثير من الخيرات بدءاً من الذهب وصولا الى الالمنيوم واليورانيوم والنفط ، وباقي المعادن الأخرى ، وبالنسبة لمادة اليورانيوم تستولي فرنسا على نسبة اكثر من 30 بالمئة منها والدول الغربية حوالي 25 بالمئة في حين يقبع تحت خط الفقر ملايين النيجيريين بشكل خاص ، والدولة تسمى على وفق التقديرات الاقتصادية الدولية ، من إنها من الدول الفقيرة ، بالإضافة لوجود العديد من المنظمات الإرهابية التي تقتل وتسبي وتختطف الكثير من الشابات والشباب النيجري ، فإذا لم يتم تصفيتهم ، يتم الرهان عليهم مقابل المال ، هذا يحدث بشكل شبه يومي رغم وجود القواعد العسكرية الفرنسية والأمريكية وبعض الدول الأوروبية .
لقد هدد التجمع الافريقي بالهجوم على النيجر بغية عودة الرئيس المخلوع الى الحكم واسقاط الانقلاب العسكري ، في المقابل أعلنت جمهوريتي مالي وبوركينا فاسو ضد هذا التهديد واعلنتا مشاركتهم مع الجيش النيجري في المواجهة والقتال فيما اكدت الجزائر رفضها القاطع لأي عمل عسكري منطلقة من رؤيتها بأن مثل هذا العدوان سيجر افريقيا الى صراع يشمل العديد من الدول والشعوب ولا ينتهي بسهولة .
هناك متغيرات دولية تجري في المنظومة العالمية ، ابرزها بروز اقطاب مقابل القطب الواحد ، ومنها تجمع بريكس الذي بات يتعامل في العملات المحلية للبلدان المشاركة بدلاً من الدولار ، وهذا التكتل الذي تود المشاركة فيه العديد ن البلدان العربية منها جمهورية مصر العربية وايران والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت والجزائر وتركيا .
وهذا التكتل يشكل اهم التكتلات العالمية اقتصاديا ، وسيحدث نقلة نوعية في مسار العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية على حد سواء ، وبالتالي سينعكس بالضرورة على تركيبة الأمم المتحدة ومجلس الامن ، ولعل حديث الرئيس التركي اردوغان مؤخرا من أنه لا يجوز حصر العالم كله بخمس دول ويعني الدول الخمسة التي تتحكم بمجلس الامن وبقراراته ، يضاف الى ذلك كله الحرب الدائرة بين الاتحاد الروسي من جهة والدول الغربية وامريكا عبر الحلف الأطلسي من الجهة المقابلة ، وتحقق فيها روسيا نجاحات كبرى رغم ما انفق لسلطة أوكرانيا اكثر من 160مليار دولار ومشاركة العديد من الخبراء الاطلسيين في هذه الحرب، لكن ذلك لم يوقف روسيا من التقدم واحراز الانتصارات واخرها اجبار حكومة كييف على طرد كل العاملين الضباط في مراكز التجنيد بسبب رفض الشباب الاوكراني المشاركة في القتال .
هذه المتغيرات جعلت من الشباب الافريقي الانتفاض والخلاص من الاستعمار القديم الجديد ، والعمل على توظيف موارد البلاد لصالح الافارقة الذين يعانون على مدى عقود من السنين إن لم تكن كل السنين من الجوع والمرض والبؤوس والحرمان ، في حين مجموعة من المتسلطين والتجار ينعمون بموارد البلاد بالاتفاق مع الشركات والكارتلات الغربية .
إن الشعب الذي رفع العلم الروسي الى جنب علّم النيجر ، قد ادرك عملية التغيير العالمية ، وهو مستعد للدفاع عن النيجر مع جيشها وهذا هو حال المتغيرات في افريقيا الذي بدأ في مالي وبوركينا فاسو وسيمتد لدول أخرى لأن عالم اليوم لم ولن يكون مثل عالم الاستعمار القديم الجديد ، وان المتغيرات على وفق التطورات العلمية الحديثة باتت محركا مهما للشعوب في التحليل والتشخيص واتخاذ القرارات .
إن الاختلافات بين الأطراف الافريقية التي تزعم بالقيام في الهجوم العسكري لما يسمى إعادة الشرعية ، هو ضرورة لمقدمة التخلي عن هذا الاختيار ، ومن يستمع للمثلة الامريكية التي اجرت الاتصال مع قادة التغيير العسكريين يمكنه أن يستوعب الموقف النيجري الحاسم حيث اكدت هذه الممثلة بأن الحديث مع هؤلاء الضباط كان صعباً للغاية ولا جدوى من الخيارات غير الحوار .