بلا شك يوجد تهويل كبير حول احتمالية اندلاع حرب في المنطقة قد تصيب العراق من ناحية حدوده مع سوريا أو من ناحية سواحله مع الخليج، باعتبار أن الأمريكان دفعوا مؤخراً، هنا وهناك، ببضعة تشكيلات مسلّحة تشتمل على جنود وحاملة طائرات وبعض الدعم اللوجستي، وهو ما يوحي، ربما، للمتابعين بأن ما يحصل يندرج في إطار تحضيرات عسكرية لصِدام معين.

وتبدو إسرائيل، في أغلب الظن، المستفيد من هذه التحشيدات الأمريكية وما يرافقها من تهويل، لحاجة إسرائيلية بالدرجة الأساس، قد تساعد نتنياهو الغارق باحتجاجات الشارع داخلياً، والمحاصر من الجهات الخارجية كافة بقدرات متنامية لمحور المقاومة، وهي قدرات فرضت معادلة ردع لم تستطِع تل أبيب حتى اللحظة التغلب عليها.

ولذلك تبدو الحاجة للحرب في المنطقة، حتى ولو بالإعلام، حاجة إسرائيلية، تخدم في نفس الوقت الجماعات الإرهابية التي تبحث عن حالة ضعف في دول المنطقة لتنمو من جديد، ويشترك معهم في المصلحة أيضاً (الطابور الخامس) في العراق، الذي بدأ ينشط مؤخراً، بعد فترة تحول فيها إلى (طابور خانس)، على خلفية خسارة السلطة التي تعرض لها قادة هذا الطابور قبل أشهر، والذين غادروا البلاد بشكل جماعي وباتت تلاحقهم مذكرات قبض دولية.

ومن الملاحظ أن نشاطات (الطابور الخامس) هذه الأيام تزايدت بشكل ملحوظ تحت مختلف أشكال العناوين، من بينها استخدام عنوان (المعارضة السياسية) كغطاء، ولكن على الرغم من الجهود التي يبذلونها كمعارضة، إلا أنهم لا يجيدون دور المعارضة، بما فيها عدم قدرتهم على صياغة خطاب معارض رصين.

ولذلك ليس في متناول أيديهم غير محاولة استنساخ دعوات المعارضة العراقية ما قبل 2003، والقائمة على فكرة الاستعانة بالتدخلات العسكرية الأجنبية لقلب نظام الحكم، لكون أصحاب هذه الدعوات يحتاجون دائماً إلى (فحولة)، من أي نوع كانت، لتحرّك في داخلهم (لذّة نصر) حتى ولو بشكل معكوس.

وفي أغلب الظن يشعر أبناء (الطابور الخامس) بالحاجة الدائمة إلى (فحولة أمريكية) لترفع لهم حظوظهم السياسية، وهو ما يتضح من خلال انحنائهم وانبطاحهم بمجرد رؤية الأمريكان.

وحتى المعارضة العراقية ما قبل 2003 آنذاك كان لديها بعض الحصافة الوطنية، من ناحية التزام بعض القوى الرئيسية فيها، من بينهم الحزب الشيوعي وحزب الدعوة، بموقف رافض لدعوات استسهال الركض مع الدبابة الأمريكية التي نادى بها بعض المعارضين، باعتبار أن الخلاص من صدّام ليس بالضرورة يكون بواسطة الاحتلال لكونه طريقة (خايسه) في كل الأحوال.

وهو ما يجعل (الطابور الخامس) النشط حالياً، والذي كان قبل أيام (طابور خانس)، عبارة عن (طابور خايس) بمعنى الكلمة، وتعني كلمة (خايس)، وهو وصف مستعمل في العراق ودول الخليج وله معانٍ مركبة، من بينها (الخِسّة والنذالة) وكذلك (النتانة والقذارة)، كما تُعتبر مفردة (خايس) عربية فصيحة وأصلها (خائِس)، لكن (الهمزة المكسورة) يجوز استبدالها بالياء بحسب المدرسة النجفية التي تُجيز استعمال صيغة (الشرايع) كبديل عن (الشرائع).

ورغم حماسة (الطابور الخايس) بالترويج لاحتمالية وقوع حرب، تبدو تحركات الإدارة الأمريكية، على المستوى العسكري والدبلوماسي، لا تنطوي على مؤشرات توحي بوجود مخطط لفتح جبهة إضافية في الشرق الأوسط إلى جانب جبهة شرق أوروبية في أوكرانيا مفتوحة أصلاً، بالإضافة لجبهة مشتعلة في غرب أفريقيا.

وذلك لاعتبارات عديدة من أبرزها الخشية من تفاقم أزمة الطاقة أكثر مما هي عليه، لأن اندلاع أي أزمة في المنطقة، سواء عسكرية أو دبلوماسية، سيتسبب بتعطيل الإنتاج النفطي في منطقة الخليج، وهو ما يمنح (بوتين) كعباً عالياً أكثر في مسار مواجهته مع أمريكا وحلفائها الأوروبيين، باعتبار أن الروس الذين يمسكون بعدّادات الغاز التي تغذّي أوروبا سيكونون فرحين بغلق عدّادات النفط الخليجي والعراقي.

وبالتالي تبدو أحلام الشياطين من أتباع (الطابور الخايس) مجرد مشتهيات لا أكثر ولا أقل، وهي دليل على إفلاسهم السياسي، وعدم قدرتهم على التفكير والفعل الجاد باتجاه خلق محور فاعل يكون بمقدوره مواجهة الخصوم في الحياة السياسية، ولهذا ليس بيد هؤلاء (الخايسين) غير اللجوء للتخابر والتخادم من أجل الوصول للسلطة.

وفي الختام .. من غير المعتاد في ظل حُكم الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض فتح حروب تحت أي ضغوط ومبررات، كما أن حروب أمريكا في الشرق الأوسط جميعها فشلت فشلاً ذريعاً، وكان هذا قبل ولادة معادلة الردع التي أسسها محور المقاومة، وفي ظل مثل هكذا قراءات تكون احتمالية الحرب بعيدة جداً، وأكثر بُعداً مما يروَّج له في الإعلام، ولذلك من الواضح أن حرب أمريكا الجديدة في المنطقة ستبقى في حدود الإعلام فقط، ولن تكون غير حلم من أحلام (الطابور الخايس).

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *