قد يبدو مفهوم الدولة “هلامي الابعاد” بمعناه العام، الا اذا دخلنا في مكونات هذه المفهوم، عند ذاك سنجد لهذا المفهوم، اضلاعا وزوايا واضحة.
اما مكوناته -كما هو معلوم-، فتتمثل بالارض والشعب والمؤسسات، ولهذا التكوين هيبة لايمكن تجاوزها، هيبة تحفظ النظام العام للحياة، وتمنع اي تجاوز او اعتداء على حدودها، ومفهوم الهيبة، هو الاخر ربما يبدو هلاميا، مالم نسبر غوره، ونعرف زواياه واضلاعه التي يرتكز عليها، وفي الحديث عن الاضلاع التي توحي بوجود شكل هندسي، اقرب للمثلث منه الى اي شكل اخر، حيث يتحدث المتخصصون في هذا المجال عن وجود ثلاثة اضلاع تمثل هيبة الدولة، وسقوط اي ضلع منها معنى ذلك سقوط احد اثلاث تلك الهيبة، اما اضلاع الهيبة الثلاث، فهي ضلع الكرامة، والتي يمثلها رجال الامن بجميع اصنافهم ومسمياتهم، والضلع الثاني، هو الوقار، ويتجسد بموظفي الحكومة بنحو عام، الطبيب والمعلم، والمهندس، والسائق .. الخ (المؤسسات)، ويكتمل مثلث الهيبة بضلعه الثالث المتمثل بشرف الدولة، ويمكن تحديد مسارات هذا الضلع من خلال الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها عبر الضلعين الاول والثاني.
والسؤال المحوري هنا، هو : كيف تتحقق هيبة الدولة؟
عاملان مهمان يحققان ويحفظان تلك الهيبة، داخليا وخارجيا، القوة العاقلة، والقانون الضامن لحقوق الجميع، فجميع الدول الصغير منها والكبير، تسعى لبناء قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكي تكون مُهابة بين البلدان، وعكس ذلك سيكون البلد عرضة لمن هب ودب، اما القانون الضامن ، فيعني ان ابناء البلد جميعا، متساوون بالحقوق والواجبات، وهذه المساواة لن تتحق مالم تكن لدى الدولة قوة تضمن تطبيق القوانين بنحو متساو على الجميع، وان تتعامل مع الخارجين عن القانون بحزم، لان اي تساهل من شأنه تحطيم احد اضلاع هيبتها ، وعلى هذا الاساس مضت بلدان العالم، في فرض قوانينها وبناء مجتمع يحترم تلك القوانين ويحرص على الالتزام بها ولا يخالفها طرفة عين، بل اكثر من ذلك، ان رأى احدهم شخصا اخر مخالفا، يقوم بالابلاغ عنه، وهكذا سادت القوانين.
اما عندنا، فمازالت بنا حاجة قوية للمزيد من الاجراءات لفرض هيبة الدولة من خلال صون مؤسساتها، وحماية العاملين فيها، وتحسين مستوى الخدمات.
وعندنا، مازال البعض يعتقد انه (اكثر هيبة) من هيبة الدولة، وان بامكانه، تحطيم اي ضلع يشاء من اضلاع تلك الهيبة، وهؤلاء تحديدا ينبغي التعامل معهم بقوة القانون، وتجريدهم من اوهام القوة التي يتكئون عليها.
تجاوزات كثيرة تحدث يوميا هنا وهناك، على افراد او مؤسسات من قبل مَن يتصورون او يتصورن انهم/ ن، اقوى من القانون!! والمؤلم ان بعضا من هذه التجاوزات يرتكبها مكلفون بحماية هيبة الدولة!!
في ضوء ذلك نحتاج الى عقد اجتماعي جديد، تُحدد فيه الحقوق والواجبات، وحدود الحريات، للافراد والجماعات، وان يكون للمواطن دور في الالتزام بما له من حقوق وما عليه التزامات، مقابل قيام الدولة (السلطات) بإداء مهامها وفقا لهذا العقد المستند الى الدستور، على اكمل وجه..
—–