عندما صنع كولت أول مسدس، يتقل انه قال “الآن يتساوى الجبان مع الشجاع” وذلك للقدرات القوية التي تحتويها تلك الآلة، والتي تختلف عن الوسائل القديمة للقتال، والتي قد تكون منصفة في تمييز من يعطيها حقها، من التوظيف الصحيح في سوح الوغى.
تبعا لذلك نجد ان كثيرا ممن يستحيل إطلاق وصف الشجاعة عليهم، قد توهموها وبالغوا في وصف انفسهم بهذ النعت، لفقدان المعايير الحقيقية لتمييز الرجال.
نفس هذا الوصف في التساوي، ينطبق على المثقف الذي ماعاد يتميز عن الجاهل المتخلف، خصوصا في مراقع التواصل، بعد ان اصبح كلاهما يمتلك جهازا بنفس المواصفات، بل ولعل الجاهل يمكنه اقتناء جهاز متطور يفوق ما يمتلكه المثقف.
كلاهما يعبر عن رأيه من خلال تلك الشاشة، ولهما نفس الحرية في إختيار المساحة، التي يرغب في الخوض بتفاصيلها، لكن الادهى من ذلك صعوبة تمييز، أيهما هو المثقف وايهما الجاهل، وهنا تكمن الخطورة.. إذ إن معيار التقييم ذاته مختلف لدى المتابعين.
يمكن إعتبار معرفة صاحب الحساب، والإطلاع على واقعه الحقيقي، عاملا مهما في التمييز، لكن كيف بأصحاب الحسابات الوهمية، التي تحظى بعدد لا يستهان به من الجمهور والمروجين!
كثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعي اليوم من البسطاء، ممن لم ينل حظا كاقيا من الثقافة، فتجده ينسخ ويلصق موهما نفسه انه صار من أهل الإختصاص..
بناء على ذلك أصبحت مواقع التواصل، مؤثرة في توجيه رأي الناس، ولها القدرة على إختيار الحدث، وجعله مهيمنا على الساحة، ولو لمدة قصيرة بغض النظر عن كونه يستحق ذلك ام لا.
لعل البعض يحمل تلك المواقع، مسؤولية الانحدار الفكري والثقافي الذي وصله البعض، لكن حقيقة الأمر لا علاقة لها بذلك، ولا تاثير فاعل لها على الشخص المحصن فكريا، والمتسلح بالوعي العقائدي، ومن يتصف بالكياسة والفطنة خلاف الآخرين، الذين يفتقدون لتلك النعوت والمزايا، فما تطرحه المواقع هو بضاعة معروضة في الفضاء المفتوح، بغض النظر عن الغاية من عرضها وبعيدا عن محتواها، فلمَ نلقي باللائمة على الجهات التي ترعاها وحدها، ولا نلتفت لطبيعة الشخصية الشرقية، التي تمتاز بسرعة التأثر بما تراه، دون تردد ولا تأمل بالاثار المترتبة على ذلك!
من خلال ذلك نقف على ان مواقع التواصل، قد ساهمت في صناعة رموز وهمية، على المستوى الديني والسياسي والثقافي، وأصبحت تلك الفقاعات تنمو شيئا فشيئا، حتى صدقها البعض واصبح يستشعر واقعية وجودها، وينظم سلوكياته حسب ما تقدمه، من توجيه مباشر او غير مباشر..
بل راح البعض يلتزم بخطابها المؤدلج، والذي يراد منه الاطاحة بالمصاديق الحقيقة، التي تمثل الحالة العراقية على مختلف المستويات، وتصدير مسميات تتخذ من التصدي للشأن العام، وسيلة لتصدير الذات المغمورة الفارغة، عسى ان تجد في أنصاف المتعلمين، من ينتشلها من واقعها العدمي، الى فضاءات الشهرة التي ستكون عبئا على روادها، مع أول زلة لسان او موقف لا ينسجم مع الذوق العام.
عندها وعندها فقط تنكشف الحقائق، ويظهر زيف الوهم، بكن بعد أن أخذ أثره في تشتيت الرأي العام وتوهينه، وأشغاله عن قضاياه الحقيقية.. وهذا أثر ليس هينا ولايصح الاستخفاف بنتائجه