لم يبق في العمر مساحة للمجاملات , ولم يعد المزاج مرهون بقبول الاخر السلبي الذي يفرضه القدر والصدفة وطبيعة العمل وقرابة الدم و العشيرة , تجالسهم بنصفين من الروح والذهن , تصادر نصفك المتوج بالصدق والعمق متسترا من سهام التقريع !! وتبدأ بتشغيل نصفك المنصاع لثقافة السائد البليد , اذن فهي معركة تدور رحاها وتتشابك بضراوة بين ذاتك المصقولة بعشق الفضيلة وذاتك المنحازة لكسب ود الاخر والانحدار الى مراسيم الاستلام والتسليم في حوار عقيم ومزاج عقيم وزمن عقيم ,, كثيرا ما اعتاب نفسي ,, في كم مرة اكون انا !! في اي حوار او مقابلة او مرافقة او مجالسة تكون ذاتي التي صنعتها واعتز بها هي تتصدر اللقاء وتعرب عن نفسها وعن نفسي ؟؟!! يبدو السؤال ساذجا ,, لكن الجواب مثقل بالمرارة , ان تكون مغتربا عن نفسك منقادا مثل الماشية لدروب يسلكها الاخرون , وقد يحدث ان تنسى ينبوع ذاتك الاصيل وتشتاق اليه بالم وحرقة , وقد يحدث ان تفتش عنه بين جدران البلادة والاعتياد الصماء , تدنو منه في لقاء عابر مع روح لذيذة تشبه حلم الذات المستكينة في القاع فتستغيث من جزعك وتمطر عليك البشاشة , تدنو وتدنو ,, ولا تكاد تفتح ذراعك للربيع حتى يغتالك كابوس الخنوع لمراسيم الاضطرار والارتهان لعوالمهم وصنيعة ذاتك التي ادمنت الموت الوئيد ,, كل صباح تقرر ان تقشر نفسك لتكون اللب الذي تشتهي ,, تتسمر امام مرآة الضمير وتتيقن انك الاجدر على امتلاك عافية الصدق , تعيد صياغة مبررات الوجود البهي , تخاتل كواسر (الزحمة والعيب ) , تفتش عنهم
تلك النفوس المضيئة بالحكمة والسلام , تلك المتصالحة مع صوتها وتاريخها ومبتغاها , تلك المنصتة ,, نعم المنصتة !! فالانصات بات احد اهم حتميات التواصل وعلامات الانسانية .
المساءات مغلقة بالثرثرة , مسورة بالعموميات , مشدودة الى قاع التناحرات والمكاسب والتجريح , تلبس خوذة المحاربين وتقاتل في اتون معارك الاستحواذ والتملك ورهانات الربح والخسارة حتى ضمن دائرة النقاش , تغرق في متاهات الذبول وتعتاش علي ايامك غربان التسطيح والانكسار اليومي , وفي عتابك الليلي على وسادة الاستجواب , تخالطك الاماني والهزائم ,, تحصي سويعاتك الاصيلة ونبضات قلبك المقرونة بلحن الحنين والجمال والتلقائية ,, وتحصي ساعات القرف المهدورة مثل حروب حمقاء سرقت بيضاك وجنونك وهيامك ,, تحصي ركلات الدنيا من زوائد بشرية حسبت عليك واثقلت جناحيك ,,تحصي , بصاقها وعفونتها ,, تحصي هزيمتك , وانت تجالس فردا يتقيء نفسه وأخر متورم بالغباء والقسوة , تجادل مسؤولا احمقا او لصا ارتدى اثواب الفضيلة , يصادر يومك سياسي مغرور او مثقف متخم بالهروب !! تشتاق لمشتركات التعقل ,, تشتاق الى ضفاف المحبة الوارفة ,, تشتاق الى حوارات بلا مسلمات ,, حوارات بلا مقدسات ,, تشتاق الى لحظات غناء بلا مقدمات او تمهيد ,, تشتاق الى همس يقرب المسافات ويذكرنا بادميتنا ,
لم يبق في العمر ما هو جاد وحقيقي الا هدف اكتشاف الزمن الاصيل , والهدف الاصيل , هدف الوصول الى المعنى , وسعادة المشتركات بلا خيبات , او سعادة الغناء على قارعة الطفولة التي استباحها ذبول المعتاد في لحظة انكفاء وهزيمة ذواتنا الصادقة . .