يبقى هاجس من تجاوز الستين او السبعين من العمر الحنين الى ايام قد خلت بكل ما تمثله من معاني الاصالة والمبادئ والقيم ، وتواصل اجتماعي حقيقي ، كما ان المهن والحرف في تلك السنين أغلب محترفيها كانوا يمارسون مهنهم وهم يرتدون الملابس الخاصة بكل مهنه ، وكانت ( الچراوية) و(الصدرية) و (السدارة) التي تمثل الافندية وغالبيتهم من شريحة الموظفين، وغيرهم ..
هذه المهن وهذه الازياء اندثرت وحلت محلها الكثير من الازياء الاجنبية الدخيلة على مجتمعنا فأصبح جيل الاربعينات والخمسينات يشعرون بالغربة عند رؤية هذه الازياء وبذات الوقت يأخذهم الحنين لتلك الايام عندما يشاهدون شخصاً ما يرتدي زي ذلك الزمان…
قبل ايام وفي طريق عودتي من محافظة بابل الى العاصمة بغداد توقفنا للتسوق من مخابز باب الاغا ، وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ليلاً
وكانت هذه هي زيارتي الاولى لتلك المخابز ، فكان المشهد رائعاً وجميلاً .. سأصفه لكم بإختصار …
قبل ان تدخل الى قاعة عرض المنتجات الكثيرة بانواعها ومذاقها ، وعلى يمينك ترى مجموعة من الرجال والنساء متجمهرين لتناول الماء والشاي و (الچرك) المجاني تحت شعار ( كل واشرب حتى تشبع) ، ثم يأتي امامك المكان والذي تحيط به النافورات الجميلة واماكن لجلوس الزبائن وهي عبارة عن ( قنفات) بغدادية الطراز ، وما ان تدخل الى القاعة الرئيسية حتى تتفاجأ بحسن الاستقبال والترحيب بالعبارات البغدادية الاصيلة ثم تشاهد عبارات جميلة خطت على (صداري) العاملين ، وقد زينت القاعة بصور ومناظر تحكي قصص جميلة عن تأريخ بغداد بالاضافة الى صور للفنانيين والرياضيين والسياسيين العراقيين ، وعلقت ايضاً صور نادرة لاماكن وشوارع وساحات بغداد القديمة ، وعندما تطيل النظر اليها ستعود بك الذاكرة الى سنوات الزمن الجميل وتستعيد ذكريات جميلة وعزيزة على قلبك عشتها وذهبت ولن تعود ، وترى العاملين وقد علت روؤسهم السدارة البغدادية السوداء ، اما المنتجات فجميعها بغدادية القديمة منها والحديثة ايضاً ولكن بطعم بغدادي تجسيداً للمثل العراقي الشعبي القائل (مثل خبز باب الآغا حار ومكسب ورخيص)..
شكراً لمخابز باب الآغا التي رفعت شعار معاً لاحياء التراث العراقي الاصيل قولاً وفعلاً ..