أصبح من سمات الإدارة الناجحة الحديثة مراعاة العدالة والمساواة في الفرص والحقوق والواجبات بين موظفي المؤسسة، بغض النظر عن الجنس أو النوع أو القومية أو الدين، وتعتمد المؤسسة الناجحة معايير الكفاءة العلمية والخبرة العملية والقدرة على الأداء والابتكار والتطوير والمبادرة، في ظل بيئة تنافسية شديدة التغيير في سوق العمل في جميع دول العالم.
تمثل النساء نصف المجتمع كما يقال دائما، لكنهن حتى وقت قريب كن يعانين من غياب العدالة والتمييز، سواء داخل العائلة أو المدرسة أو العمل، وهناك نسبة كبيرة من الفتيات حرمن من التعليم ومن فرص العمل، وتكافح النساء الناشطات من أجل الوصول إلى المواقع القيادية، سواء في المجال الإداري أو السياسي، ويواجهن صعوبات ومعوقات عدة، رغم تشريع الكثير من القوانين في العصر الحالي التي تدعو للعدالة بين البشر، وتنص على المساواة بين الرجل والمرأة!
رفع الظلم
ظهر مفهوم تمكين المرأة ( Women’S Empowerment) في السنوات الأخيرة لمعالجة ظاهرة تهميش المرأة ورفع الظلم عنها، والاعتراف بحقوقها ومكانتها في المجتمع، وفتح أبواب الدراسة والعمل وتطوير الذات أمام النساء، ويقصد بتمكين المرأة العملية التي تُتيح للمرأة القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تُكسبها قوةً تُمكّنها من السيطرة على حياتها، كما يُمكن تعريف تمكين المرأة بأنّه العملية التي تُشير إلى امتلاك المرأة للموارد وقدرتها على الاستفادة منها وإدارتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات، وبناءً على هذا التعريف يتبيّن أهمية توافر ثلاثة عناصر مترابطة لتستطيع المرأة ممارسة اختياراتها الفردية؛ وهي:الموارد، والإدارة، والإنجازات، ويُشير كلّ من تلك العناصر إلى معنى مختلف؛ فالموارد تُشير إلى التوقعات والمخصصات المادية، والاجتماعية، والبشرية، أمّا الإدارة فتُشير إلى قدرة المرأة أو على الأقل إحساسها بالقدرة على تحديد أهدافها الاستراتيجية التي تريد الوصول إليها في حياتها والتصرّف بناءً على تلك الأهداف واتخاذ القرارات بناءً على نتائج تلك الأهداف، أمّا الإنجازات فهي تُشير إلى مجموعة متنوعة من النتائج التي تبدأ من تحقيق مستوى عيش كريم إلى الفرص الإدارية المتاحة، وتحقيق مبدأ تمثيل المرأة سياسيّاً. الحضارة الإسلامية عرفت تمكين المرأة قبل أكثر من 14 قرنا، ووفر الإسلام للمرأة كرامتها الإنسانية ونص القرآن الكريم على مراعاة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، قبل أن تنصفها القوانين الدولية الحديثة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومع ذلك عانت أغلب المجتمعات العربية والإسلامية، طوال قرون، من الفقر والجهل والحروب، فتدهورت أوضاع الناس بصورة عامة، وكانت معاناة النساء أشد قسوة. نستطيع أن نقول أن المرأة بدأت تستعيد حقوقها تدريجيا في ظل إتاحة فرص التعليم، في العصر الحالي، فقد دخلت النساء سوق العمل، وتغيَّرت اتجاهات المجتمع نحو حجم المشاركة والمهام التي يمكن أن تقوم بها، بل تحول الاهتمام من مجرد مشاركة في العمل إلى قضية الدور القيادي الإداري الذي يمكن أن تقوم به، وفي هذا الصدد، ظهرت العديد من الأبحاث والدراسات العلمية التي حاولت معالجة هذه القضية، حيث طرحت العديد من التساؤلات الأساسية في هذا الجانب، والتي كان من أهمها: هل من الممكن أنْ تكون المرأة قائدةً إداريةً؟.. هل تختلف المرأة عن الرجل في سلوكياتها وفعاليتها القيادية؟.. لماذا لا يصل إلَّا عددٌ محدود من النساء إلى المناصب القيادية؟
تشير بعض الدراسات الحديثة إلى قدرات قيادية لدى النساء تجعلهن في موضع المنافسة الإيجابية مع الرجل في تولي المسؤوليات العليا، من ابرزها:
الإبداع: تشير العديد من الدراسات إلى أنَّ المرأة أكثر إبداعًا من الرجل بحوالي(%25)? وهذا يمنح المرأة القدرة على إيجاد حلول غير مسبوقة، والمساهمة بأفكارٍ تُعين المؤسسات التي تتولى قيادتها على تغيير نمط العمل فيها بما يتناسب مع التغيرات السريعة التي تجري في العالم.
بعد النظر: المرأة تحرص على شمول جميع المعلومات أكثر من الرجل، وبالتالي في كثير من الأحيان تكون صاحبة نظر أبعد من الرجل في قضايا العمل.
الاتصال: المرأة مستعدةٌ فطريًا للحوار أكثر من الرجل في نفس الظروف، وتَعْتبر الاتصال والحوار أساساً لإدارة العمل، كما أنَّها أكثر انفتاحاً للتعبير عن آرائها وقناعاتها عند مواجهة المشكلات الإدارية والقيادية.
التعاطف: إنَّ ما تتصف به المرأة من الرحمة وتقدير احتياجات الآخرين ومراعاة ظروفهم الخاصة تعينها على بناء علاقاتٍ حقيقية وصادقة؛ مما يجعل الأفراد في المؤسسات التي تتولاها يحبونها، ويتحركون معها نحو الأهداف المشتركة برغبتهم.استعدادها للتضحية: يبرز هذا الاستعداد لدى المرأة من قدرتها على تحمُّل الألم الذي يتجاوز المجال المعنوي إلى المجال المادي الذي يلحق بالمؤسسة.
التفويض وإعطاء الصلاحيات: إنَّ قوة المرأة في العمل أقلُّ من الرجل، وهي أرقُّ من الرجل، وبالتالي فهي أكثر من الرجل في تفويض وإعطاء الصلاحيات للأفراد العاملين معها، وتوزيع المهام والمسؤوليات، وتخويلهم حرية اتخاذ القرار؛ مما يجعل الفريق متحمسا ومتماسكا.