من المعروف عند اهل الاختصاص أن جريمة الفساد في العراق تطورت من فردية الى منظومات متعددة الأطراف مع غياب أو تأخير المساءلة والتخلف في سيادة القانون وانفاذ القانون مع خلل في المنظومة العقابية التي تعاني من فجوات كبيرة والتي تحتاج الى تشريع قانون جديد للعقوبات او تعديل القانون النافذ بتجريم الأفعال غير المجرمة ،تفاقم الفساد نتيجة للمحاصصة السياسية في توزيع المناصب الحكومية، وتوفير الحماية السياسية للفساد والفاسدين نتيجة استغلال النفوذ السياسي مع غياب مراجعة الأداء العام والتقييم والتقويم ،مما جعلت الجهات الرقابية تلاحق الفساد مع وجود ثغرات قانونية مع الحماية السياسية اي الفساد السياسي، وفي السنوات الثلاثة الاخيرة تم الغاء الرقابة الاستباقية مما شكل ضربة قاصمة للجهات الرقابية لان مخرجات ديوان الرقابية هي مدخلات للرقابة الإستباقية مع عدم اعتماد تقارير ديوان الرقابة المالية في تشريع قوانين الموازنة السنوية وعدم الالتفات الى تقييم الأداء، هنا الرقابة الاستباقية غابت عن تقويم الأداء العام نتيجة الغاءها مما احدث فراغا رقابيا مباشرا، كما مخرجات ديوان الرقابة المالية ومخرجات مكاتب المفتشين هي مدخلات لهيأة النزاهة وهنا مؤشر تعطيل او انهاك هيأة النزاهة مما تفاقم تعطيل الجهات الرقابية وملاحقة الفساد دون امكانيات وارادة سياسية داعمة.
اليوم نحن أمام برنامج حكومي في مكافحة الفساد من خلال تشكيل فريق ساند لمكافحة الفساد وهيئة عليا داخل هيأة النزاهة لمراجعة ملفات وشبهات الفساد والشبكات المنظمة ،مع هذه التشكيلة وتوفر ارادة حكومية ،بدأت عمليات الملاحقة وفق منهجية متكاملة مع القضاء في الداخل والخارج، خارجيا العمل ابرام اتفاقيات ثنائية لاسترداد المطلوبين مع العمل على تقديم المساعدة القانونية مع دول الملاذ للاسترداد مع استعداد بعض الدول للتعاون اضافة للتعاون الدولي وفق اتفاقيتي الامم المتحدة لمكافحة الفساد والعربية لمكافحة الفساد،كما تعاظم التعاون مع الوكالات والمنظمات التابعة الامم المتحدة والشرطة الدولية ،وابرام القضاء العراقي اتفاقية تعاون مع القضاء في عدد من الدول المهمة ومع مجموعة إيجمونت للاستخبارات المالية ، كل هذا الكم الهائل في فترة زمنية قصيرة لتنفيذ الخطط الموضوعة سابقا ووضعها قيد التطبيق والإضافة لها من مستحدثات ،رافقت الاجراءات تنفيذ تقييم الأداء للقيادات الإدارية العليا إبتداءا من درجة مدير عام، وهنا على السلطة التنفيذية وضع جدول للوظائف الأكثر عرضة للفساد على طاولة التطبيق ورصد تضخم الأموال لديها.
ومع مرور الوقت في المراجعة والملاحقة برزت جرائم الفساد في الحكومات المحلية وفي مفاصل متعددة في المؤسسات والكشف عن جريمة تهريب النفط وتفاقم جريمة تهريب المخدرات كجرائم عابرة للوحدة الوطنية هنا بمعنى جرائم دولية عابرة للوطنية مما أنتج لنا جرائم غسل الأموال وتهريب الأموال وتمويل العمليات القذرة ، اما في المنظومة الحكومية تم الكشف عن جرائم في الوزارات الإتحادية ووضعت الحكومة والقضاء والجهات الرقابية امام تحديات كبيرة ،اما المضي او الإستسلام ،وكان القرار في المضي ،حصلت جريمة سرقة الأمانات الضريبية ،ومؤخرا جرائم وشبهات الفساد في وزارة التجارة ومواد البطاقة التموينية وتوريد الحبوب ناهيكم عن تزوير الوثائق للاستيلاء على اراضي وممتلكات وزارة التجارة مما تم الكشف عن جرائم متعددة فيها تخادم لمنظومة فساد في خمسة وزارات اتحادية، هنالك جرائم أخرى سيتم الكشف عنها بعد إنهاء الهياة العليا لمكافحة الفساد مع اللجنة الساندة الحكومية لمكافحة الفساد التي منعت تسريب أوامر الاستقدام واوامر القاء القبض على المشتبه بهم.
هنا من الأهمية على السلطة التشريعية في أخذ دورها من خلال التشريعات والرقابة والمساءلة المهنية دون التدخل من خلال استغلال النفوذ السياسي وممارسة الابتزاز السياسي وحماية الفاسدين.
كما توفير البيئة المناسبة والآمنة لإشراك المجتمع والإعلام وشركات القطاع الخاص في جهود تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد من خلال تشريع قانون للعقود الحكومية وقانون حق الإطلاع على المعلومات مع إعتماد سياسات عامة في ابلاغ الجمهور والإفصاح عن المعلومات منعا لإنتشار الشائعات واستخدام المعلومات بشكل يربك الجمهور.
هنا على الدول الشقيقة والصديقة دعم جهود العراق في استرداد المطلوبين والاموال والموجودات المنهوبة، وعلى الأمم المتحدة دعم جهود العراق في مكافحة الفساد واصدار قرار من مجلس الأمن لحث الدول في التعاون ومساعدة العراق وفي جهوده.