أقدام السائرين نحو الشمس لوحة ٌ تُبْدِعها ملايين الأرواح التي حلت بفناء الحسين لتؤدي طوافا ً لم يوجبه الله كفرض , بل أوجبه الشوق للحرية والمُثل, أوجبه الحب لثقافة الرفض
مشهد يتكرر وصوت حقٍ يتفجر من بعيد وصرخات مدوية تخرج من ثغر البركان , ونورٌ يتوهج , ثم تحترق شمس الوجود
لتَبزُغ كربلاء وتأبى أن تغيب رغم الغيوم الكثيفة والحجب المنيعة
, وإن غابت فأنها تعود لتولد من جديد وتولد معها رؤى الحرية
لتعتق الأرواح المتلهفة لحرارتها والضامئة لفراتها
حيث يترائى الحسين وحي السماء وأنشودة الملائكة وصرخة الدماء
يقف ليلوح لها من بعيد
, تسرع تهرول تمشي تكاد تطير يحملها الريح لتغدو ريشة ترسم مشهدا ً مثيراً ومدهشا ً
لخيامٍ كزرع أخضر تحمل رمزية خيامٍ لذات المكان و العنفوان
ومسيرة تشق الافق لتجبر الدنيا أن تصوِّب نظرها نحوها وتصيخ لها سمعها
مشهد يعبق بالولاء ويتنفس عبير الإباء والشمم
, يُجَسَد على أرض ٍيكاد بريقها يخطف الأبصار , مشهد مصحوب بهُتاف لبيك يا حُسين
وأي حُسين هذا الذي ترنَّو اليه الدنيا
إنه حُسين الكرامة والحقيقة
حُسين المبدأ والقيم والفداء والتضحية وكل معاني الخير ,
فالمشهد ليس مجرد مجاميع بشرية تزحف نحو مكان ما , وليس تقليدا ً تراثيا ً وشعبيا ً كما يحلو للبعض أن يُوصفه ,
بل هو وهجٌ ورفض ومقاومة لكل عناصر الشر .
إنه الاربعين …… تأمل ٌ في حركة الروح
وروح ٌ في حركة المُثل
ومثلٌ في جسد الحرية
وحرية ٌ في أصوات الرفض .
إنه الأربعين ….. ليس مجرد ذكرى لواقعةٍ ما
وليس كرنفالا ً تعوَّدَ عليه العشاق
بل هو فلسفة القيم والرفض حيث يوجد الظلم .
خيمٌ متراصة على طول الطريق، وعطاء لا ينضب على مدى الايام التي اعدت لهذه الذكرى ، وارواح تكاد تمسك بك وانت تسير نحو النور ، مشاهد يعرفها اؤلئك الذين خبروا الخلود وعرفوه بالمواقف الانسانية العظيمة .
أين ما تحل فامامه وجهه واينما تولي وجهك تراه ينظر اليك ، لكن لا يراه الا الاحرار .
شــاخ الزمــــان ولم تتعــب نواظــره ترنـــوا إلينــــا ولكن لا تــــرى أحـــــدا
ويتناهى صوته من وراء الضريح قائلاً :
وفي ضريحــي ملاييــــن تقبلـــه وترتجيني وتعصــي الواحـــــــد الأحـــــدا
ما يميز هذه التظاهرة الفريدة كونها مساحة مفتوحة و أفق كبير لرفض الباطل ، وهذه حناجر الزائرين تنشد للحرية وترفض افعال المارقين عن نهج كربلاء، المواكب هي تظاهرات ترفض النهج الاعوج للطبقة التي تريد ان يسير الركب باتجاه الخنوع والذل ، ها هي صر حة الحسين تعود لتوقظ بقية الضمير في ارواح تكاد تنزع ضميرها.