الصراع على المواقع وعلى السلطة عاهة استبدت بالنخب السياسية حتى لم تعد تبقي لنا فرصة كبيرة لتحسين صورتنا التاريخية السلبية كوننا، نحن العراقيين، كما كان يقال عنا “اهل شاق ونفاق” وكما شتمنا الطاغية الحجاج بن يوسف ابن ابي عقيل الثقفي بقوله “ادمنتم السوق بالعصا”..
فقد مضت النخب المهووسة في هذه اللعبة الجارحة الى ذروتها، وجرُوا معهم، واليهم جمهورا غفيرا من الاتباع: تقولُ، فيصفقون.
بل ان البعض من فرسان هذه النخب راح يستعمل لغة تهديد حجّاجية نائمة “اني ارى ابصارا طامحة، واعناقا متطاولة، ورؤوسا قد اينعت وحان قطافها، واني لصاحبها” ونقلت الاقنية والصحافة الاجنبية طرهات هذا القول وكأن العراقيين خلقوا لتدمير حياتهم، والتنكيل ببعضهم، ثم إضرام الانشقاق في كل مكان.
والعجيب في الامر (وانا اتحدث عن مرحلة في التاريخ) انه كلما بدا (لنا) ضوءٌ في النفق الطويل من الازمة، سرعان ما نكتشف اننا واهمون، وان ذلك الضوء خادع، ومخيّب للامال، وبخاصة حين يكون صاحب الضوء قد ولد من صلب آباء الازمة ومن مخاض امهاتها، بل ان الاباء والامهات يسارعون معا الى إطفاء مصدر الضوء ونشر الظلام في الممرات والمعابر، وفي غضون ذلك ينقلب واحدٌ منهم على عقبه، ثم سرعان ما ينقلب الجميع على الجميع، وتنغلق آخر منافذ ذلك الضوء الذي باركنا بصيصه.
لقد قبَرَ العراقيون، على مدى قرون، من التحضر والمدنية وانتاج القيم والمعارف تلك الفرضية العابرة كونهم “اهل شقاق ونفاق” واعترفت اجيال من المؤرخين وشهود التحولات الكبيرة برجاحة عقولهم وصواب تدبرهم، وعمق رسالتهم الانسانية، ومن هنا تظهر مقابح الصراع على السلطة إذ تعيد انتاج مقابح الانطباع العتيق عن العراقيين.