مرّت أكثر من سنة على إعلان إطلاق (المنصة)، التي قال عنها البنك المركزي العراقي في حينها : إنها ستساهم في تطوير عمل شركات الصرافة من أجل التوسط ببيع وشراء العملات الأجنبية، وتسهيل الإجراءات، وتنفيذ العمليات بالسرعة والدقة، وهي تندرج ضمن مساعي البنك لتطوير البنى التحتية التقنية.
ولكن منذ ذلك التاريخ الذي أُعلِن فيه عن المنصة، وتحديداً في 22/ تموز / 2022، وحتى هذه اللحظة، صارت المنصة وسيلة لعرقلة حركة التجارة وعمل شركات الصرافة، بل وأدت إلى إغلاقها واعتقال أصحابها، والأكثر من ذلك باتت عبارة عن ساطور مخصَّص لقطع الأرزاق على المزاج وبحسب مصالح محافظ البنك المركزي.
وهو ما يوجب بعد مرور سنة على تجربة هذه المنصة، الوقوف عند كمية الملاحظات السلبية التي تكونت عليها، والنتائج العكسية التي خرجت منها، والعمل على إنهاء وجودها تماماً من الحياة المالية والتجارية والاقتصادية العراقية، باعتبارها (فكرة فاشلة) وغير مفيدة على الإطلاق، بقدر الفشل الذي يرافق (نافذة بيع العملة) أيضاً.
وإذا ما كانت هذه (المنصة) قد تأسست في زمن محافظ البنك المركزي السابق (مصطفى غالب) لأغراض مصرفية بحتة، فهي في زمن محافظ البنك المركزي الحالي (علي العلاق) تحولت الى شرطي أمريكي ينظر بعين عوراء إلى حركة الدولارات العراقية، باعتبار أن المنصة لا شغل لها غير متابعة تهريب الأموال الى إيران، في حين لا تهتم هذه المنصة بتهريب الأموال الى الأردن والإمارات وتركيا !.
وسبق للبنك المركزي أن قيّد عمل 14 مصرفاً شيعياً عراقياً بتهمة تهريب الدولارات الى إيران، على خلفية تدقيق حوالات تسبق فترة تطبيق (المنصة)، مع كون هذه المصارف لا تشكل طلباتها سوى 8% من مجموع التحويلات الخارجية، في حين جرى التغاضي عن 92% من الحوالات التي تستحوذ عليها مصارف أجنبية بالشراكة مع مصارف سُنية من المؤكد أنها تقوم بتهريب الدولارات العراقية المدعومة من البنك المركزي الى الخارج.
ولعل بمجرد التدقيق بحسابات دائرة الگمارگ العراقية تتضح حقائق تهريب الدولارات بشكل لا يُصدق، باعتبار أن مبيعات نافذة العملة يومياً، والتي تُقدر بحدود 200 مليون دولار، تساوي في النهاية بحدود 70 مليار دولار في السنة، وهي أموال تذهب بالضرورة لأغراض التجارة الخارجية، وهو ما يعني أن دائرة الگمارك قد استحصلت على أموال في حدود 7 مليارات دولار في أقل تقدير، إذا ما وضعنا نسبة 10% على البضائع المستوردة، وهي أحيانا تكون أكثر بكثير بحسب نوعية البضائع، ولكن مثل هذه الواردات الگمرگية غير موجودة على الإطلاق في حسابات الخزينة.
وبالتالي تكشف واردات الگمارگ العراقية عن حقيقة تهريب مليارات الدولارات سنوياً بحجة التجارة، وهي دولارات تخرج من خزينة الدولة عبر نافذة بيع العملة التابعة للبنك المركزي، مع كون هذه الدولارات قد خضعت لرقابة وتدقيق (المنصة)، وهو ما يطرح تساؤلات أخرى عن جدوى هذه (المنصة) التي هي مجرد (شرطي أمريكي أعور).
ويُقال إن عملية تدقيق طلبات التحويل الخارجي المقدَّمة من التجّار عبر المصارف، وهي فواتير (انفويز)، تذهب للتدقيق عند موظفين أمريكان مقيمين في أمريكا وليس العراق، وهم يتعاملون ببطء شديد مع كمية الطلبات التي تصل إليهم يومياً، وهو ما بات يتسبب بتأخير هائل لمعاملات التجار، ولكن مع هذا التأخير وهذه التعقيدات لا تمنع البنك المركزي من بيع 200 مليون دولار يومياً عبر نافذة العملة، ويتم في نفس الوقت تحويلها الى الخارج بالطبع.
ولهذا تبدو (المنصة) أشبه بـ(الشبح) الذي ليس له مكان أو عنوان، ولا يمكن مشاهدته حتى بالعين المجردة، من ناحية كون المنصة ليست تطبيقاً موجودا على الإنترنت يمكن للأشخاص الدخول إليه، ولا حتى دائرة أو مكتب يمكن مراجعته، وحتى هذه اللحظة لم تتمكن أي وسيلة إعلام من تصوير أو تغطية فعاليات هذه المنصة التي صارت وكأنها (صندوقاً أسود).
ولا يمكن تفسير مثل هذه الحالة إلا في إطار (النصب والاحتيال) المعتاد في الدولة العراقية منذ عام 2003. والذي طالما يمرر تحت غطاء (الهيمنة الأمريكية)، في الوقت الذي توجد فيه شبهات حول حقيقة هذه الهيمنة أصلاً، في حال كانت مفروضة بإرادة أمريكية أم بطلب رسمي عراقي ؟، مثل حقيقة تواجد القوات والقواعد العسكرية الامريكية التي تقول واشنطن إنها موجودة في العراق بطلب من بغداد، وهو ما يشكل علامة استفهام وتعجب كبيرَين ؟!.
وفي الختام .. هل (علي العلاق) ينتحل صفة (الشرطي الأمريكي الأعور) ..؟، أم يوجد فعلاً (شرطي أمريكي أعور)