كنت من أوائل الذين طالبوا بحل او تقييد صلاحيات مجلس المحافظة منذ عام 2013، وطالبت مع اصدقاء لي في ذالك الحين من خلال منصة ” إنهض” الاحتجاجية بتقييد صلاحيات مجالس المحافظات واقتصار دورها على الجهد الرقابي فقط، رغم ان ذلك أيضاً سيكون منطلق لإبتزاز السلطة التنفيذية في الادارات المحلية للمحافظات، اذ ان تجربة المجلس في دورته الاولى لم تعطِ إنموذجاً يتطلب تكرار التجربة، بل كانت تكريس لأسس المحاصصة بين الأحزاب التي عادةً ما تفوز بأصوات الناخبين لإمتلاكها السلطة والمالي السياسي المنهوب الذي يُسخر لشراء الذمم والأصوات حتى وصل مرحلة من الإبتذال في توزيع بطانية أو 25 ألف دينار لكل ناخب يصوت لصالح تلك الجهات التي تعيد سيطرتها على موارد المحافظات وميزانياتها واستثماراتها فضلاً عن مقاولات إعمار وانشاء المشاريع التي يفترض ان تكون في أعلى نسب الرصانة بوجود مجلس منتخب يمثل المواطنين ويدافع عن حقوقهم.
الدورة الثانية كانت سيئة بقدر الهدر الهائل في الميزانيات الإستثمارية وبيع المناصب والاستحواذ على الاراضي التجارية وتحويل المناطق الخضراء الى مراكز تجارية لصالح اعضاء المجلس الذين يمثلون بدورهم لجان اقتصادية تدفع للأحزاب نسب عالية من تلك السرقات “القانونية” المُشرّعة بتصويت تلك المجالس التي جمعت من حولها عدد لا يُستهان به من المرتزقة الذين يعملون تحت عناوين “اعلامية أو نشاط مدني او إنساني” وحقيقة هؤلاء كانوا عناصر لحماية أعضاء المجلس من النقد وفضح تجاوزاتهم المالية والاخلاقية والاقتصادية ليشكلوا بعد حين حاجزاً لصد الهجمات، وعناصر فعالة في معاركهم الجانبية التي كانت تنشأ فيما بينهم لأجل منافع شخصية أو جزئية وبعضها لأسباب تتعلق بتجاوزات اخلاقية او منافسة على ملذات وقتية.
هذه التجارب المريرة كانت خلاصة لطبقة مرحلية من الفساد والانتهازيين مرّت بها الحكومات المحلية لسنوات طويلة، قوّضت من أصل تشريع مجالس المحافظات في الحفاظ ومراقبة المال العام، وتشكيل الإدارات على اسس من الكفائة وضمان تنفيذ المشاريع لبناء البلاد، وهو جوهر وسبب تواجد تلك المجالس على ان يتم اختيارها وفقاً للمصلحة الوطنية والعامة ومسؤولية الشعب هو اختيار الاعضاء ومراقبتهم ومعاقبتهم انتخابياً في حالة عدم ايفائهم بالتزاماتهم الانتخابية تجاه المواطن.
ونتيجة حتمية لانحراف المجالس عن تأدية مهامها الدستورية، كان الحكم بفساد وعدم جدوى وجودها، اذ اتفق أغلب ابناء ا على انها منصة للإبتزاز السياسي وتعطيل التنمية وتحويل المجلس الى دكاكين لبيع المواقف والمشاريع حسب تفاهمات قادة الأحزاب المسيطرة في حينها، لكن ذلك لا ينفي قيمتها الدستورية واسباب تشريعها وضرورة ان تكون حاضرة كما يرسمها الدستور والقوانين التي نظمت عملها.
وبمراجعة المواقف وهي جزء من الفهم السياسي المتنامي للمراحل التي يمر بها القطر، وما تفرضه من صور جديدة تتغير من خلالها تلك المواقف والقرارات تبعاً للنتائج، ومن هنا كانت تجربة انفراد المحافظين في ادارة المدينة اكثر سوءاً مما سبقها، فضلاً عن تسخير المحافظة لصالح جهة سياسية واحدة، وهي استحقاق دستوري يفرض نفسه على الساحة المحلية بغض النظر عن أي موقف صحيح شعبي او نخبوي رافض لوجوده، وستمضي الحكومة في انجاز هذا الاستحقاق، مما يستدعي سؤالاً مهماً : ماهي المصلحة في حال ترك الاحزاب مرة اخرى تسيطر على المجلس وتشكل ادارة شبيه بالدورة الاولى والثانية، فعدم المشاركة والاصرار على رفض وجود المجالس سيعيد تجارب فاشلة لن تنفع المحافظات دون التدخل واختيار عدد من القيادات الجديدة التي تخشى الاعلام وترفع شعارات الاصلاح والتغيير.
ورغم ان هناك مواقف لشرائح مجتمعية رافضة للإشتراك في الانتخابات انطلاقاً من عدم المشاركة بسبب موقف سياسي كالتيار الصدري مصلاً ، لكن عدد من المرشحين والكتل ستستقطب جمهور واسع من هؤلاء المقاطعين لانهم يرتبطون اما مناطقيه او عشائريا ولربما مصلحياً مع بعض المرشحين، وانحسار الفرصة في الاحزاب الناشئة خصوصاً حرّم عدد من دعاة المقاطعة من فرصة الترشح لذلك اتخذ هؤلاء شعار المقاطعة اعتقاداً بعدم جدوى المجالس.
يرى مختصون ان تشديد المراقبة من داخل المجلس بحدها الادنى في التمثيل مجدي أكثر على صعيد المعارضة الشعبية، وجر المجلس ان يكون ممثلاً حقيقياً لإرادة المواطن من على منصة المجلس نفسه، وهو كفيل ان يساهم اكثر في إشراك الجمهور المترقب في قراراته وتصدير المواقف إعلامياً.