بعد عام ونصف على الحرب الاوكرانية الروسية ، سئل عراب السياسة الامريكية هنري كيسنجر عن الحل فقال : ” يجب ان تبقى اوكرانيا جسراً بين روسيا واوربا ، وان لا تحاول اوربا استفزاز روسيا”
ففي رأي كسينجر. ان ضم اوكرانيا لاوربا خطأ كبير يشعل فتيل نزاع قد يؤدي الى حرق العالم .
هناك مناطق يجب ان تبقى محايدة ومناطق وسطى ، او كما يطلق عليها في المصطلح العسكري ” ارض الحرام ” او المنطقة المحرمة ، وهذا يعني انها محل اشكال وتنازع .
كركوك وصفت في الدستور العراقي بانها منطقة متنازع عليها ، فهي خليط سكاني بين القوميات الثلاث العربية والكردية والتركمانية ، وهي قنبلة موقوتة ومنطقة ملغومة، تنفجر في أي لحظة. فيجب الحذر من التقرب منها.
النزاع الاخير الذي تفجر في كركوك وراح ضحيته شبان اكراد دمائهم غاليةٌ علينا وهم اخوة لنا ، لم يكن من اجل تسليم مقر عسكري للحزب الديمقراطي الكردستاني ، بل هو ذريعة لبداية ازمة كبيرة يريد ان يصنعها البعض ، المشكلة لا تكمن في مقر او بناية، بل هي قضية لها ابعادها وتاريخها .
كما انها ليست مشكلة محلية او عراقية داخلية، بل هي مشكلة اقليمية ، قد تكون بوابة للتدخل التركي والايراني والعربي ، وذلك لعدة اعتبارات.
فتركيا تعتبر ” كركوك” مدينة تركية داخل العراق ، فكل التصريحات التركية تشير الى ذلك.
بالامس القريب ، حينما حصل الاستفتاء في كردستان كانت التصريحات التركية شديدة اللهجة واعتبروا كركوك كأنقرة ومع كل أزمة تتعلق بالمكانة التاريخية لمحافظات شمالي العراق عند الأتراك تعود إلى الواجهة بقوة مقولات «كركوك كأنقرة» و»أمن كركوك كأمن أي محافظة تركية»، وهي عبارات مرتبطة بالمكانة الكبيرة للتركمان عند الشعب التركي تغذيها الروح القومية التي تصاعدت لدى السياسيين والشعب التركي في السنوات الأخيرة.
وهذا الموقف التركي ليس جديداً ، اذ يعتبر الاتراك قضية كركوك قضية قومية ، فقد قال مصطفى كمال أتاتورك في اجتماع مجلس الأمة عام 1920: «حدود أمتنا، من الإسكندرون جنوباً، وفي الجنوب الشرقي تضم الموصل، السليمانية وكركوك».�لكن بريطانيا التي احتلت العراق عقب الحرب الاولى دخلت في نزاع مع تركيا. من اجل الموصل وكركوك، و بصفتها ممثل العراق كونها قوة انتداب ـ فقد دوَّلت القضية ، و وسَّعت نطاق ذلك وصولاً إلى جعلها مشكلة حدود بين تركيا والعراق، وعقب مناوشات سياسية وتهديدات عسكرية تم التوقيع على معاهدة أنقرة في العام 1926.�ونصت الاتفاقية على أن تتبع ولاية الموصل للعراق ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتفق عليه العراق وتركيا، كما نصت على أن يعطي العراق 10٪ من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة 25 سنة، حيث شاركت تركيا العراق في نفطه حتى عام 1954 وتوقف الدفع تماما بعد ثورة 1958 ومجيء عبد الكريم قاسم للحكم، كما تقول تركيا إن الاتفاقية ضمنت حق أنقرة في التدخل العسكري في الموصل ومناطق أخرى في شمال العراق من أجل ” حماية التركمان” اكرر « حماية التركمان »!!!!
ومع اقتراب موعد نهاية الاتفاقية العراقية التركية نهاية العام 2023 تكون تركيا قد وجدت الذريعة التي تحتاجها في التدخل المبرر قانونا ً .
من هنا نستنج ان كركوك مشكلة حساسة لا يمكن حلها بالقوة ولا بالشعارات الحماسية ، فالمدينة الغنية بالنفط لا يمكن ان تكون جزأً من هذا الطرف أو ذاك ، والجميع يتذكر ما حدث في العام 2017 أثر ازمة رفع العلم الكردستاني واعتراض ايران في حينها واعتبر المتحدث باسم خارجيتها ، ان مثل هذا الفعل يزيد التوتر ويشعل فتيل ازمة ، وهذه اشارات واضحة سواء من تركيا أو ايران ان المشكلة ليست عراقية بحته ، بل هي اقليمية قد تتطور الى ما لا يحمد عقباه .
فالحل الامثل لكركوك ان تبقى مدينة التآخي والوئام وهي مدينة عراقية متعددة القوميات والثقافات كانت وستبقى ، فهي كردية تركمانية عربية وارض حرام بين جميع الاطراف .