الشعارات ثقافة اللحظة العاطفية التي تبنى على الحماسة والشحن النفسي ، يستفاد منها في الأجواء الثورية ، فهي لا تغني ولا تسمن من جوع اذا أفرغت من محتواها واستغلت من اجل الاستمطاء ، وان كانت تؤدي غرضا تعبويا مرحلياً ، لكن الخطير في هذه الظاهرة اذا تحولت الى ثقافة مستدامة حينها تكون ظاهرة تستحق الدراسة والنقد .
والأخطر ما فيها هو ان تتحول الى محرك للهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح, فيولد من رحمها الدكتاتوريات وينبت الاستبداد ويتحول المجتمع الى قطيع يُحرك بالاتجاه الذي يريده الانتهازيون وزعماء المافيات .
وللشعارات تأثير كبير في مسيرة الشعوب ففي الصين وفِي الحقبة الماوية على وجه التحديد كان للشعارات أثرها في تكوين العقلية الدكتاتورية التي روجتها الشعارات وبالتالي كانت الثقافة الصينية اسيرة هذا المنحى الشعاراتي ، ولم تتمكن الصين من النهوض الا بعد ان غادرت هذه الثقافة في تحول مثير في مسار العقل السياسي الصيني ، وكذا الحال في كوبا والاتحاد السوفيتي وفيتنام وكوريا الشمالية والأنظمة العربية الشمولية ، هذه الأنظمة التي لم تخلف سوى شعوب مسلوبة الإرادة ومحبطة نفسيا ً .
ولابد من الإشارة الى ان توظيف الشعار ايديلوجياً وتكريسه نفسيا يلغي اي إمكانية للصحة النفسية ويجعل العقل في غيبوبة تامة سواء على المستوى الفردي او على مستوى العقل الجمعي ، مما يجعل المجتمع يفكر بطريقة واحدة وباتجاه واحد، وهذا له تأثير في صناعة الإدراك والصور الذهنية المتكونة لدى الأفراد ، مما يعدم مساحة حرية التفكير ، وغالباً ما تستخدم الأنظمة الأيديولوجية هذه الطريقة في تجييش الشارع وتوجيهه بالطريقة التي تلائم النظرية المطروحة ، لذا يعمد مروجو الشعارات الى صياغتها بإتقان لغوي يتمتع بسحر نفسي مؤثر.
لقد مرت اوربا بفترة شعاراتية لم تجني منها سوى الخراب والدمار والحروب كالحرب العالمية الاولى والثانية التي أنتجت موسوليني وهتلر ونيرون وغيرهم من الجبابرة بفعل الشعارات القومية .
الثقافة الشعاراتية هي حالة من الهوس والهستيريا فهي على النقيض من العقلانية . لذا يمكن ان نخرج الملايين الى الشارع ونؤثر عليهم من خلال العاطفة ولكن لا نستطيع ان نقنع هؤلاء للسير في طريق البناء والإعمار واحترام القانون، ولعلنا نرى ذلك بجلاء في الشعاراتية الدينية التي استخدمها و يستخدمها رجال الدين سابقا ولاحقا وخير مثال على ذلك الحروب الصليبية وكل الحروب ( المقدسة) التي تلتها .
لقد غادرت الشعوب المتحضرة والحره هذه الثقافة وبقينا نحن متمسكون بها ، لذا ما نراه اليوم من فوضى واستباحة للدماء هو نتاج طبيعي للثقافة الشعاراتية التي تجتاح مجتمعاتنا وعلى وجه الخصوص المجتمعات الاسلامية التي تتحرك في اجواء العاطفة تاركةً العقل يغط في نومه العميق .
والعراق هو مثال صارخ على استشراء الشعاراتية في مفرداته اليومية والتي اعتبرناها زاداً يومياً يعتاش عليه زعماء المافيات السياسية ، فبرغم حجم الفساد الذي يكتنف الدولة جراء السياسات الخاطئة لكننا لم نميز بين الطالح والصالح ، فيتحول عندنا الحليف الى عدو بين ليلة وضحاها كما يتحول العدو الى صديق بين ليلةٍ وضحاها جراء شعار اطلق هنا او هناك .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *