طالما تحدث الكثير عن الربط السككي وأدلوا بدلوهم كل ٌوفق تصوراته، منهم من جعلها هدر اً للمال، والبعض ألاخر اعتبرها خدمة لدول الجوار، وللأسف اغلب المتحدثين ان لم لا ينطلقون من اسس مهنية بقدر ما تمليه مصالحهم الشخصية او صراعاتهم السياسية ، فيما ذهب البعض منهم دون معرفة للخوض في تفاصيل لا تصمد امام اهل الاختصاص.
و لاهمية هذا القطاع الحيوي التنموية ونتيجة لذلك خلقوا صور ضبابية للجمهور ولصاحب القرار السياسي المتأرجح اصلا في رأيه والقرار الذي يجب ان يتخذه في ظل غياب التخطيط الستراتيجي الذي يتكفل بوضع خطط افقية وعمودية لتحفيز الاقتصاد الوطني،
عندما بدأت الثورة الصناعية في اوربا في القرون الوسطى كانت وتيرتها بطيئة بسبب صعوبة النقل وادواته البسيطة ، لكن ما ان اقيمت اول خطوط للسكك عام 1825 في بريطانيا ، حتى ازدادت وتيرة حركة التصنيع الفتية انذاك، اعقب ذلك النجاح بناء المزيد من خطوط السكك الحديدية ليتعدى حدود بريطانيا العظمى لتشمل اجزاء من اوربا واميركا ، ثم تطور الامر لاحقا ليتم استغلال خطوط السكك لتمريرها تحت الارض في تسيير القطارات البخارية في اول نقل جماعي للاشخاص داخل المدن عام 1863 في لندن،
وما يصح من القول على ان تأثير السكك الحديدية في زيادة وقع الثورة الصناعية ، فأنه يصح على جدلية العلاقة الطردية بين وجود خطوط السكك والتقدم الاقتصادي لأي بلد في العالم ، فكلما وجدت شبكة خطوط سكك حديدية كفوءة وجدنا تقدم اقتصادي صناعي مذهل لكون النقل هو احد اسباب رفاهية الشعوب ايضا والسكك هي عماد النقل، فما كان لأميركا ان تكون أمة عظيمة لولا وجود خطوط السكك التي تربط اجزاءها المترامية بين الاطلسي والهاديء ساهمت في اجعل أميركا اعظم دولة في الزراعة والصناعة ، كذلك أوربا التي ترتبط دولها بخطوط سكك حديدية تلف الكرة الارضية خمسة مرات كانت أحد أسباب تطورها بشكل مبكر، وسببا من ألأسباب الرئيسية لنجاح الوحدة الأوربية لاحقا، كما أن نجاح ألاتحاد السوفيتي كدولة عظمى تحقق على يد ستالين الذي عمل جاهدا لآن يجعل النقل وخصوصا السكك جزءا مهما من اقتصاد ألامة (وكيبيديا) حيث شهد اسرع نموا في بناء السكك بين دول العالم ، كما أن نجاح النمو الاقتصادي والتطور السريع في الصين لم يكن لولا ادراك القادة الصينيين أن قطاع النقل مهم جدا لجذب ألأستثمارات الخارجية (كما تقول دراسة النقل والتطور ألاقتصادي) وكان ذلك بالتعاون مع البنك الدولي ، وتفتخر الصين اليوم [امتلاكها نظام وطني للسكك يتم تعزيزه سنويا بخطوط جديدة، كذلك النهضة السريعة للهند والبرازيل وجنوب افريقيا ودول اخرى دخلت نادي الكبار وظفت جميعها توسع شبكات السكك فيها لتطوير التنمية ألأقتصادية السريعة ، أما تركيا التي جعل الرئيس اردوغان النقل عنوانا لحملته الكبرى في تطوير النقل وبالذات قطاع السكك من اجل جعل بلده همزة الوصل بين أوربا وبلدان أسيا الى شرق تركيا ، ومع ذلك نجد من يقول ان السكك التي اقامتها بريطانيا في الهند كانت من اجل اهدافها العسكرية فقط معتبرا ذلك صفة ذميمة لحقت بالهند، صحيح أن بريطانيا فعلت ذلك لكنها خرجت من الهند وتركت لها السكك التي اصبحت عماد نقل المسافرين لأمة تمتلك ثاني اكبر تجمع بشري بعد الصين.
في العراق يجهل الكثير ، وجود تصاميم لخطة طموحة في نهاية سبعينيات القرن الماضي اعدت من قبل اكبر الشركات المتخصصة لبناء شبكة سكك لربط مدن ومحافظات العراق بخطوط مزدوجة ومكهربة بحمولات محورية عالية. وكذلك مشاريع للربط مع دول الجوار لكن مغامرات صدام حال دون تنفيذ هذا الطموح. جميع هذه الوثائق محفوظة في تشكيلين لوزارة النقل .
البعض منها تم تحديثه بعد عام 2003، عندما كنت مديرا لقسم معني بالامر فترة من الزمن خلال خدمتي الوظيفية ،
السكك الحديد العراقية التي دشنتها بريطانيا لخدمة حركة قواتها ايضا في العراق، لكنها لاحقا كان لها الاثر الكبير على الاقتصاد العراقي وعلى المجتمع العراقي ، بل لأنها اصبحت جزء من شخصية الوطن والمواطن تغنى بها ولها الشعراء والمطربون ، فهي اول مؤوسسة انشأت فيها ورش ضخمة رفدت السوق المحلي بالمهارات الفنية كما انها قدمت خدمات جليلة في نقل البضائع المستوردة ومثلها للتصدير عندما كان البلد مصٌدرا وطرقه البرية عاجزة عن تقديم مثل هذه الخدمة ،
ربما لا يعلم السادة المنكرون لأهمية السكك أن لها دورا مهما في تعزيز روح المواطنة بين اقاليم البلد ، حيث يقول كبار الاقتصاديين في العالم في حديث نشرته النشرة الاقتصادية التابعة لموقع مايكروسوفت في 3/1/2019 (إلى الاعتقاد أن ضعف قطاع المواصلات في بعض الدول، لم يكن فقط عائقا أمام التنمية الاقتصادية، بل أسهم في تعزيز النعرات الانفصالية، وأضعف البنية السياسية والاقتصادية للدولة، نتيجة غياب الترابط بين مناطقها المختلفة.).
وأزيد ان مراسل BBC في نيجيريا ذكر في تقريره في 13 شباط 2013 بعنوان هل يمكن للسكك الحديدية المجددة في نيجيريا أن توحد بين الشمال والجنوب؟ قائلا من ان الحكومة تأمل عبر ضخ استثمارات ضخمة لربط مناطق الشمال بالجنوب بسكك حديد من أجل تقوية الروابط الوطنية بين مناطق نيجيريا التي تشهد توترات ودعوات للأنفصال. أوليس اصدق صورة تلك التي تعيشها كردستان العراق الذي لا تربطه بمدن العراق خطوط سكك او طرق برية وطنية موحدة ،
لمشاريع السكك اهمية ستراتيجية تتمثل بما نسميه الربحية الوطنية بمعنى أن عوائدها غير المباشرة أو غير المتوقعة ضخمة جدًا وبعيدة المدى، وبالتالي لا تخضع لمقاييس الربحية التجارية الملموسة او الانية ، بل تقاس بالمزايا والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي تحققها.
اجمل هنا عدد من العوائد الاجتماعية والاقتصادية للسكك وكما يلي:-
• السكك الحديدية سببا لاحداث التوسعات العمرانية والتجمعات السكانية الحضرية لتكون حافزا لنشاطات اقتصادية جديدة
• السكك قادرة دونا عن غيرها من وسائط النقل بكل يسر على اداء الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وإقامة النشاط التجاري.
• كما انها احد وسائل النقل التي تعتبر الاقل تلويثا للبيئة مقابل كفاءتها في الاداء وبالتالي تعتبر من الانماط الموفرة للطاقة والمحافظة على البيئة. حيث لا يتجاوز انبعاثها الغازي 28.39 جرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر ، مقابل 102 جرام للسيارات ، و 244 للطائرات
• السكك كما يؤكده الخبراء في هذا المجال وفق تقرير نشرته الايكونوميك تايمز(أن أنظمة النقل بالسكك الحديدية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بست مرات من الطرق البرية المعبدة وأربع مرات أكثر اقتصادية من حيث التكاليف الاجتماعية ، اما من حيث الأضرار البيئية أو التدهور ، تعتبر السكك الحديدية هي الاقل ، في حين أن تكاليف بناء السكك الحديدية أقل بست مرات تقريبًا من بناء الطرق لمستويات حركة مرور مماثلة في الكفاءة
• بوجود السكك سوف يتم تقليص حجم الاستثمارات المطلوبة لبناء طرق خدمية جديدة عند اللجوء الى خيار بناء السكك ، التي تعتبرالاقل قي تكاليف الصيانة السنوية والدورية مقارنة مع كلف صيانة الطرق المتأثرة بحجم حركة المرور.
• كما انها احد وسائل الحد من الاختناقات المرورية وتقليل مخاطر الحوادث وتقليل الوفيات وتوفير النقل الآمن والالتزام بالمواعيد وما يترتب على ذلك من مكاسب اجتماعية ومادية.
• تأخذ حيزا من الارض اقل من الانماط الاخرى مقابل سعة نقل اعلى وبالتالي تقليل الخسائر في الأرض.
• كما أن للسكك الحديدية دور مهم أثناء الحروب والكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية.
هذا فيض من غيض ، نود ان يطلع عليه الجميع ، سواء من تصدى للحديث عن السكك دون معرفة مهنية ، او من قبل أصحاب صنع القرار ممن يجهل اهمية هذا القطاع أو من يقول أن كلف انشاءه ضربا من الترف وان عائداته لا تستحق ان يتم الاستثمار من اجلها ،
في بقية ارجاء ألأرض المعمورة التي تعتمد ألتخطيط العلمي وسيلة لنجاح طموحاتها في التنمية الاقتصادية السليمة والمستدامة تهتم ببناء السكك ونرى تصاعدا في تنفيذ المشاريع الخاصة به، حيث نرصد بشكل مستمر عبر النشريات المتخصصة بقطاع السكك المتعددة اخبارا عن قيام معظم بلدان العالم المختلفة ببناء مزيد من خطوط السكك حتى في اوج جائحة كورونا حيث توقف العالم عن الحركة ، كما انها كانت احد وسائل الدعاية الانتخابية التي لوح بها الرئيس الاميركي السابق ترامب و لها دور في وصوله الى البيت الابيض الاميركي ، والصين اليوم تواجه اميركا بحرب السكك من خلال تبني مشاريع جديدة سواءا في الداخل او في بلدان اخرى خصوصا في جنوب شرق ووسط اسيا وفي افريقيا ووصلت الى اللاتينية ، لتقوض الهيمنة الاميركية لخدمة تجارتها في الاستيراد والتصدير بما يخدم الاقتصاد الصيني بشكل عام ، ومن اجل ذلك فأنها خصصت وتخصص عشرات المليارات لتمويل تلك المشاريع.