تنغص صفو حياة الانسان بين حين وحين منغصات لا فرار له منها , ومن هذه المنغصات المرض , فما من أحد منا خلت أيامه من وطأة آلامه وثقل أوجاعه , فهو يداهمنا كشبح مرعب لا نقوى على دفعه , فنسرع على أثره الى الطبيب ليصف لنا الدواء الذي يشفينا , ولعله لا يشفينا فنلازم الفراش ردحا من الزمن غير قصير .

ومن المفارقات أن المرض لا يستثني فقيرا أو غنيا صغيرا أو كبيرا حاكما أو محكوما .

انه قدر الانسان ليسكت فيه قوته وكبرياءه فيستسلم استسلاما عجيبا لكابوسه , وحينئذ يتمنى لو يهب كل ماله لتعود اليه عافيته .. العافية التي يفتقدها أيام محنته تصبح صعبة المنال , نطلب هذه العافية وقت المرض , وحينما نكون معافين ننسى نعمتها , أليست الصحة كنز لا يقدر بثمن ؟

حينما يداهمك المرض فلا المال له قيمة ولا كل ما تملك , ان أوجاعك لا تحتمل ويشق عليك النهوض من سريرك وتجد نفسك عاجزا عن فعل شيء ,اذ أنت عليل مقعد لا أمل للشفاء الا اذا قضى الله أمرا لم تتوقعه .

لله ما أحلى العافية بكل ما فيها من احساس بالراحة والمتعة والنعيم , ما أحلاها ونحن في ذروة النشاط والحركة والعمل , وما أسوأ العلة التي تداهمنا على حين غرة لتقلب حياتنا الى آلام وأحزان .

ترى هل ندرك المسافة الفاصلة بين السقم والعافية ؟ أم أننا نتجاهل الحقائق الأساسية في حياتنا ؟

ومع ذلك فالحقيقة التي تفرض نفسها أن القبح يقابله جمال وأن الرذيلة تقابلها فضيلة وأن الشر يقابله خير , مثلما يقابل السقم العافية .. انها الأضداد تحيط بنا ولا مفر من الاقرار بها .

ان العافية نعمة لا تقدر بثمن الا من أراد أن يفرط بها , ونحن نحاول جاهدين أن نحرص على الوقاية من المرض والحفاظ على بدن سليم غير أنه ليس بمقدورنا أن نقف أمام القدر الذي يتسلط علينا رغما عنا .

وكل علة يصاب بها الانسان هي بمثابة اختبار لمدى قدراته على تحمل أعبائها وكم هي طاقة الايمان التي يحملها في طياته ؟ وهل كنا نسينا الله أيام العافية وذكرناه أيام السقم ؟

لعل تجربة المرض تعطينا درسا نافعا لحياتنا .. نتعلم منه كم هي الأخطاء التي ارتكبناها فيما مضى من الأيام , وهل سنعود الى رشدنا ونبرأ من تلك الأخطاء أم يلازمنا العناد حتى النهاية ؟

والعلة ليست في الأبدان فحسب فما أكثر علل النفوس والتي هي أشد خطرا وأذى .

كما أن الشرور التي تحيطنا هي الأخرى علل , بل علل قاتلة اذا لم نجد لها العلاج الناجع .

أما الحكمة التي تطل علينا فتقول ( ألا ان الصبر عند المحنة والشكر عند النعمة ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *