يؤاخذنا الكثيرون حينما ننتقد بعض الشخصيات الدينية ، وكأنهمل أربابا لا يخطؤون ، وكأننا أصنام لا نعقل ولا نتفوّه . وهذا هو الجمود والتجهيل الذي عانى منه المجتمع الإسلامي منذ قديم الزمان ، وجعل من الخطأ صواباً .
المنظومة الدينية بصورة عامة – والإسلامية على وجه الخصوص – منظومة فلسفية معقدة ، شائكة ومترابطة ، وفيها عدة منافذ للاختراق ، وقد استُغلت هذه المنافذ منذ عصور الأنبياء ، ولا سيما عصر الرسول محمد ص – أقصد هنا المنافقون الذين اخترقوا الدين – ، لأن الدين يوفر مساحة واسعة تسع الجميع . وفي عصرنا هذا ، بعد أن تكاثرت الفرق المذهبية ، وابتعد بنا الزمن عن أيام التشريع والبزوغ الديني ، وقَلّ المتصدون وضعفت إمكانياتهم ، اتسعت الثغرات وصار الاختراق أسهل نوعاً ما .
ومهمة (المثقف الديني) – كما يعبّر عنه عادل رؤوف – حالياً هي الوقوف على المشاكل التي تصيب الجسد الديني وتشخيصها ونقدها نقداً لاذعاً بصوت عالٍ ، سواء كانت هذه المشاكل شخوصاً أو ظواهر . المثقف الديني هو القوة التي تكافح النشازات الداخلية بداخل المجتمع الديني . والمثقف الديني هو ليس الفقيه أو رجل الدين ، إنما هو المثقف الشمولي الذي يمسك بخيوط عدة اتجاهات فكرية ويظهر في الشارع بلباس العوام لا بلباس الفقيه أو المتدين . وهذا ما فعله الراحل علي شريعتي رحمه الله ، حينما ضرب بقوة وأسقط عروش فقهاء الشاه الذين ابتلي بهم المجتمع الإيراني .
نحن حينما ننتقد رجلاً معمماً يلبس لباس الدين ويتحدث باسم الأئمة والأنبياء وفي داخله غير ما على لسانه وجسده ، أو ننتقد امرأة ترتدي اسم إحدى الصالحات من بنات الأنبياء أو الأئمة جلباباً وتحمله شماعة لإشباع رغبات شخصية في القيادة أو الظهور وهي لا تحمل في قلبها شيئاً مما تقول ، إنما نحن ننتقدهم لأنهم لا يمثلون الدين ، لأنهم لا يعملون بتعاليم الدين الواصلة إلينا ، لأنهم يشوهون الدين ، لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، وهم وسيلة لجعل الدين محل سخرية ، وسهل التعلق بصنارة المتصيدين في المياه الضحلة . نحن ننتقد لنقوي الدين ، لا لنشهر به ، لأن الخطر المتغلغل داخل المنظومة أكبر بكثير من الخطر الآتي من خارج المنظومة ، لأن الأول غير واضح الملامح ، متلون بألوان البيئة المجتمعية ، وخادع لكثير من العوام والبسطاء ، أما الثاني فسماته وعلاماته واضحة ومن السهل مقاومته .
المعمم والمنقبة المقبعة يجب أن يكونا مصداقاً للباسهما ، وإلا فلا يلومن الألسن التي تتناوش رأسيهما مثل السيوف . فقد انفتح الأفق أمام المجتمع ، وذهب زمن الجهل والتجهيل والتكميم ، وبرز من يتكلم وينتقد عن فهم ودراية ، والمنافق صار يُعرف من مشيته وكلامه وأفعاله ، فوظيفتنا مكافحة هذه الآفات التي تحاول أن تشوه الدين وتزرع الشُّقة والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد ، لننعم بالعيش السلمي الذي يقود إلى مرحلة متقدمة من التقبل الإنساني .