في أزقة بغداد القديمة ، كان هناك ثلاث رجال مصابون بالعمى يتسولون ، يقودهم (سوادي)، فتى ذو نظرات غاضبة ، و ملامح كئيبة. العميان الثلاثة يؤمنون بأن الصبي هو زعيمهم القائد، ويحملون له مشاعر الامتنان والتبجيل ، بالرغم انه في كثير من الأحيان يعمد إلى إهانتهم والسخرية منهم وتوبيخهم على اقل خطأ يرتكبونه ، وحتى لو لم يرتكبــوا خطأ فهو لا ينسى أن يُشعرهم بقوته وسطوته ليؤكد ذاته الدنيئــة أمام ذلهم وانكسارهم .

بعد انتهاء رحلة العميان اليومية في التسول يقودهم سوادي ( الفتى الشرس) الى حيث يُقيمون ، يجلسون في احدى زوايا المكان كاطفال هادئيــن ، ينصتــون لرنين الدراهم المعدنية في يد القائد وهو يعدها . انهم يعرفون بأنه يسرقهم ، ويأخذ اكثر مما يستحق ، لكنهم لا يجرؤون على الاعتراض ، فهم بحاجة ماسة لقائد يُعوض فيهم النقص الذي يعانونه ، ويتحمل نيابة عنهم رؤية الطريق وما فيه من مطبات وحفر ، حتى لو تعمد تجويعهم فسيزداد رضوخهم له ويتبعونه كما يتبع الطفل أمه !!! .
وحالما يُلقي الفتى إليهم بالطعام التي يجلبه من بقايا المطاعم ، تمتد ايديهم اليها يتحسسون ما فيها ثم يلتهمون طعامهم بشراهة، وهم يرددون كلمات الشكر والعرفان لقائدهم العطوف .
*شاءت الاقدار* ، في ليلة شتاء ممطرة، أن يسقط الفتى سوادي على رأسه في حفرة ،فاصبح سوادي الاعمى الرابع. انتدب سوادي قريبته (طيبة ) لتقودهم (لتسرح بهم) في أزقة بغداد.. كانت طيبة أكثر انصافا من سوادي فقد كانت توزع ما يجنوه بالتساوي رغم اعتراض سوادي و تذمره.. تغيرت حال العميان الأربعة برعاية طيبة ، فقد تغير طعامهم و تحسن فراشهم و سكنهم ..

*المأساة كانت* ، عندما راهم أحد أطباء العيون وحدد موعد لزيارتهم إليه في عيادته ..بعد أن كشف طبيب العيون عليهم ، وجد أن العميان الثلاث بالإمكان اجراء عمليه لإعادة بصرهم ، بينما حالة سوادي ميئوس منها ..اتفق سوادي و طيبة على إبقاء العميان على حالهم لأنهم مصدر المال و المعيشة، ولان(النور يكشف المستور) ..
*الحقيقة الساطعة* : الصعاليك والسفلة عندما يصبحون وبمحض الصدفة قادة ومسؤوليــن تستعر في أنفسهم مشاعر الكراهية والاحتقار للآخرين من المستويات الادنــى ، لأنهم يذكرونهم بحالهم السابق وما كانوا عليـــه من ذل وهوان …….
إن العمى يولد الانقيــاد وهذا بدوره يمنحهم الشعور بالراحة والسكينة والأمان ولذة الخضوع !!!!.
العمى عبودية وتحنيط للارادة ، وله أشكال كثيرة ، فالتعصب الديني عمى ،والجهل عمى ، والأيديولوجيات عمى، والتحزب عمى، والارتماء في قعر التأريخ عمى ، والدفاع عن الأحزاب الفاسدة وعن السياسيين عمى، والغرور والنرجسيـــة والنظرة الضيقة للأمور هي من الاوجه المتعددة للعمى ….
البروفيسور د.ضياء واجد المهندس. مجلس الخبراء العراقي

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *