عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي في بيان رسمي عن نواياها الحقيقية تجاه العراق، وهي نوايا معادية وحاقدة يمتد عمرها لسنوات بعيدة، ولطالما كانت سبباً وراء تعقيد حياة العراقيين وتحويل أيامهم الى جحيم، ابتداءً من دفع صدام حسين الى حرب دموية مع الجارة إيران استمرت 8 سنوات، وصولاً الى موقف وزراء خارجية هذا المجلس بخصوص ترسيم الحدود مع الكويت الذي صدر مؤخراً.

وكان اجتماع وزراء خارجية مجلس دول التعاون الخليجية قد أصدر بياناً عبّر فيه عن اعتراضه على حكم المحكمة الاتحادية العراقية بخصوص اتفاقية العراق مع الكويت لعام 2012، والخاصة بتنظيم حركة الملاحة البحرية في خور عبدالله، كما أكد بيان المجلس على أن حكم المحكمة الاتحادية لا يخدم مسار العلاقات بين العراق ومجلس التعاون.

ومن هنا تتضح طبيعة التوجهات الكتلوية التي يتحرك بموجبها مجلس التعاون ضد العراق، باعتبار أن العراق وحيد في صراعاته الدولية جراء ما تم فرضه عليه من سياسة خارجية ينبغي أن لا يخرج عليها، وهي سياسة عدم الانحياز الى المحاور التي فرضها الامريكان على العراق منذ عام 2003، ما تسببت في جعل البلاد من دون أي ظهير وسند.

وكان ينبغي على دول مجلس التعاون ـ لو كانت منصفة ـ دفع العراق والكويت الى التفاهم، بدل تبنّي موقف لصالح الكويت على حساب العراق، يتم بموجبه مصادرة الخط الملاحي التاريخي الذي يملكه العراق قبل أن تكون هناك دولة اسمها الكويت، او حتى قبل أن تكون هناك دول خليجية لها عواصم وأعلام وكيانات سياسية.

ولكن يتضح أن توجهات (دويلات الخليج) واضحة تجاه الدول الحضارية في المنطقة، وهي العراق وسوريا ولبنان ومصر، من ناحية سعي معظم دول الخليج إلى إغراق الدول الحضارية بالمشاكل واغتنام أي فرصة لمحاصرتها وجعلها ضعيفة، وهو ما حصل مع العراق منذ سنوات بعيدة وحصل في آخر عشر سنوات مع سوريا ولبنان.

ويبدو أن (دويلات الخليج) لا ترى نفسها حاضرة في المنطقة من دون غياب العواصم الحضارية التاريخية، والمتمثلة ببغداد ودمشق وبيروت والقاهرة، وهي حالة توصَف بحسب علماء الاجتماع التاريخي بـ(عقدة العواصم)، وهو ما يعطي تفسيرا للأسباب الدافعة وراء رغبات دول الخليج في محاولات تخريب البلدان الحضارية بأي وسيلة كانت، حتى ولو عبر صرف الأموال.

ويتضح ذلك من خلال إنفاق مليارات الدولارات التي قامت بها السعودية في لبنان، على سبيل المثال، لجعل هذا البلد المتعدد الطوائف والعميق في الثقافة عبارة عن بؤرة أزمات لا حدَّ لها، وشاركت جميع دول مجلس التعاون في هذا الأمر، حتى وصل الحال أن قاطعت دول الخليج لبنان ومنعت مواطنيها من السفر والسياحة بهدف تضييق الحياة الاقتصادية فيه.

وأيضاً تعتبر سوريا واحدة من ضحايا دول الخليج، حيث جرى العمل والتخطيط بإرادة سعودية وقطرية واضحة ومكشوفة لتحطيم وتفكيك سوريا، على الرغم من جميع مواقف سوريا الساندة لتطلعات العرب وإدامة دورهم كأمة لها كيانها بين الأمم.

ولعل العراقيين أكثر من ذاقَ مرارات الغدر والخيانة من قبل أشقائه الخليجيين، الذين فتحوا أراضيهم وممراتهم المائية لعبور مختلف أشكال الجيوش لاحتلال العراق وتدميره، ووصل الحال بدول الخليج أن قامت بتمويل جهود عسكرية دائمة لهذه الجيوش الغازية، ما جعلها تبني قواعد دائمة في المنطقة هدفها تركيع الشعوب ومنع العواصم الحضارية من إعادة بناء نفسها.

ومن هنا تكون نوايا دويلات الخليج واضحة العداء للعراق ولسوريا ولبنان، كمجموعة منخرطة في تكتل يبحث عن مصالحه فقط، حتى ولو على حساب حقوق الدول الأخرى في المنطقة، وهو ما يتطلب من العراق وسوريا ولبنان الانخراط في محور مواجهة مع مَن يستهدف وجودهم ودورهم كدول حضارية راسخة في التاريخ، ودول غير مستعدة للتنازل عن أراضيها التاريخية وممراتها الملاحية.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *