لمن أوجه عتبي المرّ ؟ هذا السؤال ألّح عليّ كثيرا، لكني فشلت في الإجابة.. فأبواب العتاب تتوجه إلى عدة جهات هي: وزارة الثقافة، دائرة السينما والمسرح، كلية الفنون الجميلة، نقابة الفنانين، قاعات الندوات الثقافية.. ترى هل أن المبدع الكبير سامي عبد الحميد، الذي مرت ذكرى وفاته الجمعة المنصرمة، لا يستحق أن نحتفي به وبمنجزاته الكثيرة، بما يليق بعطاءاته في التمثيل والأخراج والتدريس والترجمة والتأليف؟
وباستثناء البعض القليل جدا من الاستذكار البسيط، والاشارات الصحفية المقتضبة، وفعاليات سريعة، لا تفي بمقام المبدع الكبير، لكننا لم نجد مهرجانا بحثيا يشمل دراسة إرث سامي عبد الحميد، كي تطلع الأجيال الجديدة على ما قدمه من إبداع يستحق الاحتفاء به ودراسته ومناقشته من قبل مختصين، وتقديم رؤية نقدية جديدة في غياب صاحب هذا الإبداع..
إن الاحتفاء بالمبدعين في الحياة وفي الممات، لا يحتمل الحياد، فهما بطينان في قلب واحد، لعمق الارتباط في الهدف، حيث يبقيهم حاضرين في المجتمع عبر ما أبدعوه، من عطاء ممتد في الحياة الاجتماعيّة والثقافيَّة.
شخصيا، بدأ تعارفي مع سامي عبد الحميد على أثر مشادة معه، بدأت في كافتيريا قاعة الخلد في كرادة مريم ببغداد والغائبة الآن ، عقب نشري مقالة نقدية يوم السبت 22 / 10 / 1966 بجريدة “العرب” البغدادية عن مسرحية (الحيوانات الزجاجية) للكاتب تنسي وليامز قام بإخراجها سامي في تشرين الأول من عام 1966، وثبّتُ رأيا جريئا بشأنها، فيه قساوة نقدية حيث كان اندفاع الشباب طاغيا على حروفي، غير أن الأمر تحول بعد اسابيع إلى صداقة، واخوة اعتز بها، وتزاور مستمر..
فإلى الجهات المعنية التي لم تقم بواجبها تجاه رموزنا الثقافيَّة، أقول : أنَّ الإبداع يبقى خالداً، وهو صالح لكل زمان ومكان، فالتكريم غير مرتبط بزمن أو مرحلة أو ظرف، لذلك من الضروري جدا تكريم المبدع في حياته، وبعد وفاته، لأن الاحتفاء بالمبدعين يدخل إلى العقل كما تدخل العاطفة إلى الوجدان، ولاسيما عند الشباب، وأنّ الأفكار الثرة التي اعتلت الأسوار العاليَّة بثقة، وعاركت الجهل، تستحق المباهاة، وعلينا واجب التذكير بها، مهما طال الزمن، فبهم نحقق معنى التراكم الثقافي القادر على صنع الإبداع المنبثق من جدل الجديد مع القديم،
رحم الله ابا أسيل.
————————————