قبل الخوض في مسارات الحدث . علينا ان نتحدث بنقطتين أساسية : –
الأولى : – في السياسة والهيمنة العالمية اذ لا يمكن لاي عاقل واعي يخوض في السياسة وكذا بالاقتصاد والاعلام .. بكافة صنوفه دون ان يتيقن من محورية القوى الدولية في كل ما يهم الراي العام العالمي والاقتصاد الدولي .
الثانية : في مدى قدرة العراق ودوره المفترض بهذا المشروع العملاق والتحكم بمخرجاته ودعايتها الإعلامية وافادة الشعب منها .
نبذة تاريخية حديثة : –
قناة السويس كنموذج بائس اول ..
في القرن التاسع عشر طرح مشروع قناة السويس كحدث تاريخي قد يغير معالم الخارطة السياسية الدولية وان بدى اقتصاديا لكنه في الحقيقية سياسي بحت .. تداول الناس الحدث وانتشر الخبر وتحركت القوى تصيغ وتسوق المقدمات الفكرية والثقافية بشتى السبل حتى تغلغلت الفكرة في الأعماق الباطنة للجهات المستهدفة .. ثم حدثت حروب وقتال ومعارك وتقسيمات خرائط وتوزيع أدوار واوليات أمنية وتهيئة كل ما من شانه حماية المشروع والحفاظ على منجزاته وانعكاساته المقررة ودر حليبه للجهات الدولية الكبرى .. وفعلا نجح المشروع وانجز واصبح قائم .. وغير خارطة النقل بالسرعة والتكاليف بما لا يقارن بين راس الرجاء الصالح وطريق السويس كمنجز عالمي كبير ومكتشف عملاق .. لكن تبقى الاسئلة الأهم بالنسبة للدول المطلة والقريبة والمالكة للسويس .. كم فائدتها من ذلك وهل غيرت حال المصريين والسودانيين على سبيل المثال .. ام ان حصة الأسد راحت بفم الأسد اما العرب فبقوا يعيشون على ما يسمى بالمساعدات والهبات الغربية .
النفط في العراق كنموذج بائس ثاني :-
في العراق وحينما كان العرب والعراقيين منهم يعانون تحت السيطرة العثمانية التي لم تخلف لهم سوى الثالوث الخطير ( المرض والجهل والفقر ) وهذا ما موجود حتى الان في مناهج تدريسهم . في أواخر القرن التاسع عشر تم اكتشاف النفط كعامل اهم للمال والسلاح يمثل التحكم به السيطرة على العالم باسره . وقد خططت ووزعت الأدوار وسوقت الأفكار وصدرت المجالات وكتبت الصحف .. ووضعت الخرائط وقسمت الحصص وظهرت الأحزاب والفلسفات الساندة .. فيما كان العرب بكل سذاجة يعيشون حلم دولتهم الكبرى متوهمين بان الحرب العالمية الأولى اندلعت جراء استغلال العثمانيين للعرب او باطلاق رصاصة صربية طائشة في راس ولي عهد النمسا .. بعد ذاك ظهرت خرائط سايكس بيكو التي ما زلنا نعيش تبعاتها ونقيد بسلاسلها التي لن تتغير الا عبر مصالح سايكس بيكو جديد واحدث واعمق واستر . في العراق تم اكتشاف خزين النفط قبل مائة عام تقريبا وما زال … وتم تصدير مليارات البراميل وكسبنا ترليونات الدولارات خلال تلك المدة الممتدة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى اليوم .. ونهضت اوربا وامريكا وما زالت تعيش عهدها الأخضر والأبيض فيما زال العراقيون يعيشون تحت وابل عصف الاجندات والدمار والخراب .
عودة لخط التنمية : –
العراق مصدر خيرات واسرار سماوية لا يسبر غورها ولا يعرف كنهها مذ الخليقة الى الابد … فهو مهد الحضارة وبلد السواد وبستان قريش كما يسميه عرب الجزيرة . فقد غزانا منذ الاف السنين الاسكندر الكبير وتيمورلنك وهولاكو وبوش وغيرهم … ليس لأغراض السياحة الصيفية او الاستمتاع بجمال بلاد الرافدين . ( انها الاسرار والقوة والاقتصاد والسطوة والهيمنة التي تعني برمتها ومجموعها السياسة كمنظومة متكاملة ) . لذا فان العراق بلد خيرات لا تنقطع ابدا وكل عقد تظهر فيه من الخيرات ما يسيل لها لعاب الدول الاستعمارية وستبقى بلا نهاية محددة .. فهو فعلا ارض خصبة وميدان رحب لاقامة مشروع خط التنمية بخيراته واسراره وقواه البشرية والتاريخية والدينية والتجذرية .. سواء كان باسم خط القناة الجافة او خط التنمية وغيرها من مسميات قد تتغير وفقا للاجندات والمستجدات .. فهي ممكنة وخطة اقتصادية عالمية طموحة جدا وعملية وممكنة ومتوفرة ..ولها كل موجبات ذلك ونحن العراقيين بامس الحاجة لها ليس اقتصاديا فحسب بل ثقافيا وتواصليا بل محوريا .
من الجانب العراقي وعلى ارض الواقع : –
بدعوة كريمة من وزارة النقل ومن الشركة العامة للسكك العراقية ومديرها العام الاستاذ يونس الكعبي زار وفد من الاخوة والزملاء المحللين السياسيين والاكاديميين المتخصصين والإعلاميين مدينة البصرة الفيحاء وخط السكك الممتد من بغداد حتى الجنوب .. ثم تجول في مينائي ام قصر وكذا الفاو واطلع عن قرب وكثف بزيارة ميدانية استكشافية عبر الزوارق النهرية بدايات مشروع طريق التنمية وقد ظهر بان هناك مقدمات تعد من البشائر والانجازات على سبيل إتمام المشروع كما راينا او من خلال ما طرق مسامعنا عبر عدد من المؤتمرات الصحفية والندوات التي عقدناها خلال زيارتنا المكثفة التي لم نستطع التنفس واخذ قسط من الراحة البدنية والنفسية فيها جراء تكثيف البرنامج وعمليته وجديته لخدمة المشروع .. فقد زرنا وراينا باعيننا الأرصفة وكاسر الأمواج ومحطات التفريغ بشكلها الاحدث والتصاميم والخطط والاسس والنفق المغمور وسمعنا من الأستاذ فرحان مدير عام الموانيء العامة الكثير مما يفرح ويدل على خبرة واختصاص ودراية وثقة بالنفس وبالمشروع .. غير ذلك الكثير مما بعث الاطمئنان وربما خفف بعض الهواجس التي ستبقى قائمة حتى يتم ويدر المشروع للعراقيين .. ونعتقد بناء على ما تقدم بان الجهات المعنية سائرة بالطريق والاتجاه الصحيح وفقا لمنهجية وتعاقدات وزيارات واطلاعات وخطط متواصلة ليس مع الجهات المحلية والحكومة العراقية فحسب … بل انها تعدت ذلك الى الأفق العالمي كجزء من طبيعة المشروع والفهم الدولي التي تحتاج الى تعاون الدول الإقليمية والاوربية التي ستكون مصدر تصدير واستيراد مختلف البضائع عبر الخط العراقي الاستراتيجي الجديد وكذا حصة الدول العظمى التي لا يمكن ان تغط راسها بالرمال ولا يمكن تجاهلها فهي حاضرة بكل الأحوال بأسماء افراد او شركات … وهذا طبيعي جدا وينبغي ان نتعامل معه بلا حساسية بل بواقعية ووفقا للمصالح الدولية المتحضرة والمتبادلة .
امنيات : –
نامل ان يستمر هذا الزخم وان تكون الرؤيا بعيدة المدى واسعة الأفق متمكنة واثقة مهنيا وجديا ومؤطرا بالمصلحة العامة وفقا لثقافة الحضارة والشراكة العالمية والمصالح الدولية والاقليمية والمحلية .
المخاوف :-
نامل من الاخوة المعنين والقائمين بان يتم ويتواصل العمل بالمشروع ويسير بخطين متوازيين لا يمكن تجاهل احدهم على حساب الاخر.. الاول يضمن مصالح الشعب ويدر عليهم من خيراتهم واستحقاقهم من الان وليس بانتظار إتمام المشروع وتشغيله .. والأخر يسير بخط ضمان مصالح القوى السياسة العالمية الدولية والاقليمة والمحلية .. والا فان الامر سيبعث مصدر للاحباط ويكون نقطة لانطلاق مخاوف حقيقية من مصادرة الإنجاز – كما سقنا انموذجين بائسين في المقدمة – فلا نريد ان يتم المشروع ثم ينتهي عهد الديمقراطية وتحاك وتساق الأمور نحو دكتاتورية غاشمة تؤمن المشروع للقوى العالمية فيما تصادر خيراته المحلية لفئة معينة جاهزة وبشعارات ممسوخة على حساب الشعب كما حدث مع النفط الذي صار خيرا وفيرا للبعض طوال مائة عام فيما لا زال الشعب ينتظر الحصة التموينية ليقتات منها ما يكفيه لعيش يومه .
كذلك لا نعني بحصة الشعب ان يكون هناك مئات الاف ( الحمالين من شباب العراق واهل الارض وأصحاب المشروع الأصليين بأفضل الأحوال مقابل مليارات الدولارات التي تذهب للقوى الدولية او لصالح القوى الاستبدادية التي تديم انتاج الخط وتضمن قهر العباد . التوازن لغة مصالح عالمية وثقافة متبادلة يجب ان يعيها السياسيون والا فليركنوا جانبا .