والله لا أعرف من أين جاءت هذه الأسماء؟ ولا كيف أصبحت ألقاباً لشعراء؟ ولا كيف دخلت معاجم الأدباء، واشتهرت بين الناس؟. فذلك يحتاج إلى بحث طويل ليس هذا أوانه ولا هذا مكانه.
فأنت تقرأ عن شاعر لاميَّة العرب الشنفرى ومعناه حاد الطبع. والأخطل هو طويل الأذنين. والبحتري قصير القامة. وكان شكله دميماً. والحطيئة قبيح الوجه. والجاحظ نتوء العين. وليس أكثر دمامة من الجاحظ في منظره، وكراهة في هيئته، ورثاثة في هندامه إلا مفكرنا الكبير أبو حيان التوحيدي.
كان أبو حيان رجلاً تعيساً في حياته وحاقداً على نفسه وعلى الناس. مثل فيكتور هيجو في “البؤساء”. وحيّان نوع من الأفاعي. ويُقال في معناه االبَلَح. وكان أبوه يبيع البَلَح ولا يجد في السوق من يشتري!.
وكانت العرب تضرب المثل في الشجاعة بعنترة الشاعر الجاهلي بينما معناه الذباب الأزرق. والخنساء الظباء الوحشية. والفرزدق الرغيف الساقط في التنور. وجرير الحبل على الدابة. وجرير هو صاحب قصيدة “الدامغة” الشهيرة، التي قالها في هجاء الراعي النميري: فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا!.
وكل اسم له حكاية. وهناك أسماء غريبة التصقت مع عائلات في عدد من البلدان العربية فأنت تسمع مثلاً عن آل الحمار، وآل الخصاونة، وآل الأعور ومنهم الكاتب اللبناني أمين الأعور، وآل الأطرش ومنهم الثائر السوري سلطان الأطرش، وآل القط ومنهم الأديب العربي عبد القادر القط.
وإذا كان من حق الولد على والده أن يحسن اسمه. فقد ضاع هذا الحق والتبس في كثير من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان. والنبي صلى الله عليه وسلم غيَّر أسماء عدد من صحابته رضوان الله عنهم. فالصحابي عبد الرحمن بن عوف كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو أو عبد الكعبة. ومن النساء جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها كان اسمها بَرَّة بنت الحارث فسمَّاها جويرية.
وهناك كثيرون يغيّرون أسماءهم ومنهم الأديب توفيق الحكيم واسمه حسين توفيق. والأديبة مي زيادة واسمها الحقيقي ماري إلياس. وإينشتين اسمه كوخ. والشاعر السوري أدونيس اسمه علي أحمد سعيد. وسيدة الغناء فيروز المسجلة في شهادة الميلاد باسم: نهاد وديع حداد
وفي أعوام الستينات خرج علينا الدكتور صفاء خلوصي بنظرية غريبة تقول: إن الشاعر الإنكليزي شكسبير يعود في أصله ونسبه إلى قضاء الزبير بمحافظة البصرة. وزادها خلوصي حبتين بقوله: إن شكسبير هو “شيخ زبير” بلحمه وشحمه.. وعظمه أيضاً؟!.
والطريف أن تنتشر مطاعم وأفران و«بوتيكات» بيع الأحذية بأسماء هؤلاء الشعراء والأدباء. فلا عجب أن تأكل من “تشريب المتنبي”، أو تنتعل من “أحذية ابن زيدون”، و”الأصمعي للجلود”!.
ومرة سألت أستاذنا في النحو الدكتور عبد الأمير الورد عن معنى “دحبور” في اللغة العربية فلم يشفعني بجواب. يومها وقع خلاف أدبي بين الشاعر خليل الخوري والشاعر أحمد دحبور، وعندما أراد بعض الخبثاء من الخوري بظرافته وظرافتهم هجاء دحبور، لم يقل سوى هذا البيت:
لو كنتَ من مازنٍ كنَّا هجوناكا
لكـنّ دحبـورَ أغنانـا وأغناكــا!