في كل الدول المتقدمة سيما تلك التي لها باع طويل في الديمقراطية ومبدأ فصل السلطات تعد الرقابة على المال العام وحماية موارد الدولة قضية متشعبة ومعقدة تعتمد هذه الاخيرة للقيام بها وسائل مختلفة ومناهج عدة حيث نجد الرقابة الادارية والمالية المسبقة والمواكبة واللاحقة ، الداخلية والخارجية ونجد كذلك الرقابة القضائية وهي بالأساس رقابة مطابقة والتزام وأداء وتقييم أوكل المشرع للقضاء المالي.
المقدمة هذه المنطلق للموقف الحكومي الاخير حول توجيه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني باعتماد الحساب الإلكتروني الرئيسي المتفرع لحل مشكلة تسوية العمليات المالية الحكومية. وذكر المصدر في تصريح صحفي ان السوداني وجه باعتماد الحساب الالكتروني الرئيسي المتفرع لحل مشكلة تسوية العمليات المالية الحكومية وتحصيل عمليات الدفع الالكتروني من المستفيدين بما فيها جباية الأموال وزيادة شفافية حركتها لافتا الى ان هذا الحساب سيضمن تسوية المعاملات بنفس يوم العمل ويزيد قدرة الحكومة على مراقبة المال العام. واختتم تصريحه بالقول: ان التوجيهات صدرت لوزارة المالية باعتماد ذلك من خلال ايعازها الى المؤسسات الحكومية (وحدات الانفاق) لتنفيذ ذلك مع المصارف الماسكة لحساباتهم الرسمية.
الى هنا انتهى حديث المصدر الحكومي لنعرّج على اهمية الرقابة وتدقيق حسابات الجهات الخاضعة للرقابة والتحقق من سلامة تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات المالية عبر مسارات رقابة وتقويم الأداء وتقديم العون الفني في المجالات المحاسبية والرقابية ونشر أنظمة المحاسبة والتدقيق المستندة على المعايير المقبولة الدولية للمحاسبة والتدقيق وغيرها لضمان تحقيق هذا الهدف الوطني المنشود والهام.
وهنا لا ينبغي تجاهل حقيقة ان ستراتيجية الدفاع عن المال العام وصيانته يجب ان تنفذ بالافادة من الخبرات الدوليه التي سبقتنا في هذا المجال لمكافحة ليس فقط اختلاس المال العام ولكن اهداره والأهمال في ادارته وتنميته.
وبهذا الصدد يأتي الاجماع على ان الهدر في المال العام يختلف عن كونه مخطط له ام غير مخطط له ، فالاول يكون عن طريق شخص معنوي عام ليس له معرفة بهدف خروج النفقة او الغرض منها وهنا تكمن الكارثة ، اما الثاني – ونقصد الهدر المخطط – يكون من خلال شخص معنوي عام – وزير ، مدير عام .. الخ – وبالعادة هذا النوع من الهدر في المال العام يكون منسق وفقا لالية عمل من قبل الجهات التي اتت به الى المنصب لكن الحقيقة الثابتة انه في كل النوعين او الحالتين فان الهدر في المال العام يؤثر بشكل سلبي على اداء الحكومة او حجم الخدمات العامة المقدمة الى المجتمع بالتالي التاثير السلبي على الواقع الاقتصادي فضلا عن تأثيره المباشر على مسار البلد خدميا وتنمويا واقتصاديا.
وسط هذه الصورة يؤكد خبراء الاقتصاد ان تزايد الانفاق العام بصورة فوضوية سيولد هدرا واضحا في المال العام ، وفي نفس الوقت يؤدي الى زيادة حجم الاموال في التداول (زيادة المعروض النقدي) مما يعمق من ارتفاع المستوى العام للاسعار (التضخم) ، ويضعف خطط الحكومة في استهداف التضخم والسيطرة عليه وكبح جماحه.
حيث ان عملية استهداف التضخم والسيطرة عليه تعني خلق استقرار ونمو اقتصادي من خلال توفير بيئة مناسبة لتنشيط القطاع الخاص (قطاع الاعمال) والتوسع بحجم الاستثمارات وزيادة فرص العمل الذي من شأنه خلق طلب اضافي على انتاج السلع والخدمات.
خاتمة القول: انطلاقا من مبدأ الشفافية ارى من الضرورة بمكان ان تصدر الحكومة سلسله من التقارير كل سته اشهر ، بهدف اطلاع الرأي العام علي جهودها من جهة وتحفيز المؤسسات الأخري والأفراد من ان تحذو حذوها من جهة اخرى.