فَقَدَ مندوب هاييتي إيميل سان لو، في الأمم المتحدة، وظيفته، مُحبِطاً مشروع تمزيق ليبيا بين ثلاثة إحتلالات دفعة واحدة، خلاف موقف بلاده، ففي 10مارس 1949توافقت الدول الاستعمارية {بريطانيا وإيطاليا وفرنسا} على مشروع بيفن – سيفورزا.. وزيري خارجية بريطانيا وإيطاليا بتأجيل إستقلال ليبيا عشرة أعوام وفرض الوصاية الإيطالية على إقليم طرابلس، والوصاية البريطانية على أقليم برقة، والوصاية الفرنسية على أقليم فزان، وإرجاء مناقشة وضع ليبيا عقب عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية.. قدم هذا المقترح في 17 مايو 1949للأمم المتحدة بغية التصويت أمام الجمعية العامة، وكان تمريره يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين وعددهم ثمان وخمسين دولة.. تعادلت واقفة عند صوت هاييتي.. بيضة قبان الموقف، فصوَّت ضد المشروع الصحفي والمحامي والسياسي إيميل سان لو.. مندوب دولة هاييتي، مخالفاً إرادة دولته، متسبباً بشق موقف موحد إعتمدته كتلة أمريكا اللاتينية، التي تنتمي إليها هاييـــــتي. وبمخالفة إميل تعلـــيمات بلاده فــــــقد وظيفته ومنصبه كمندوب أممي لهاييتي، وكسبت ليبيا سقوط مشروع بيفن – سفورزا، حائلاً دون تقسيم ليبيا ووضعها تحت الوصاية الثلاثية حتى عام 1959.
مشروع قرار
وفي خطوة لاحقة صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 نوفمبر 1949على مشروع قرار قدمه وفد العراق الى جانب مشاريع من الهند وباكستان وغيرهما من الدول وجل المشاريع تم رفضها، على الرغم من تميز المشروع العراقي بالقوة والوضوح، لكنه أسقط بفارق صوتين، وكان دور الوفد العراقي بارزاً وواضحاً حول القضية الليبية وهو يطالب بالإستقلال الفوري لها.
رفضت اللجنة السياسية في الأمم المتحدة مشروع القرار بأغلبية إثنين وعشرين صوتًا ضد عشرين صوتًا وإمتناع ثمان دول عن التصويت… ورُفض مشروع القرار السوفيتي والهندي، ولم يحل ذلك دون إستمرار الضغط العراقي في كل مراحل المناقشات حول القضية الليبية إلى أن أفضى مع جهود آخرين إلى لحظة الإعلان عن الإستقلال
وخلال الدورة الرابعة للأمم المتحدة أصدرت قرارها التاريخي تحت رقم 289 والذي ينص على أن ليبيا تصبح دولة مستقلة قبل 1 يناير 1952 فصوتت لصالح القرار ثمان وأربعين دولة ومعارضة دولة واحدة وغياب ثمان دول.
وعُيِنَ مساعد الأمين المساعد للأمم المتحدة أدريان بلت، مندوباً للأمم المتحدة في ليبيا، والذي تعاطى بصورة إيجابية وتفهم الحال الليبية، مبدياً قدراً كبيراً من الحكمة، وتم تشكيل مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا من بعض الدول وأعضاء عن أقاليم ليبيا الثلاثة، وتوالت في شهر أكتوبر 1950م إجراءات الإعداد لظهور الدولة الليبية حيث تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضواً يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة {فزان- برقة – طرابلس} وشكلت لجنة لصياغة الدستور.
وفي مارس 1951 أعلنت الجمعية التأسيسية تشكيل حكومة إتحادية مؤقتة لليبيا برئاسة محمود المنتصر، وفي أكتوبر 1951 أُعلِن دستور ليبيا وإختير محمد إدريس السنوسي.. ملكاً للمملكة الليبية (12مارس 1890الجغبوب – ليبيا – 25مايو 1983القاهرة – مصر) والذي تعود أصوله إلي ولاية مستغانم بالجزائر، حيث ولد جده محمد بن علي السنوسي بن العربي، سنة 1787 في مستغانم – الجزائر وتوفي سنة 1859م في واحة الجغبوب الليبية ويعود له الفضل في تأسيس ونشر الحركة السنوسية في ليبيا ودول قارة أفريقيا.
استقلال ليبيا
وفي الرابع والعشرين من ديسمبر أعلن الملك أدريس من شرفة قصر المنار بمدينة بنغازي إستقلال ليبيا رسمياً.
وسجلت الذاكرة الليبية، أعترافاً بدور أميل سان لو، محفوفاً بمظاهر التكريم والتبجيل حيث أطلق الليبيون إسم “هاييتي” على أحد أهم شوارع العاصمة طرابلس، وتسمية ميدان بإسم «أميل سان لو» وأصدر الملك مرسوماً ملكي يقضي بتعيينه مستشاراً للسفارة الليبية في الولايات المتحدة الأميركية، ودعي الى زيارة ليبيا، حيث إطلع على مرافق الجامعة الليبية، ومدارس، كما أقيمت له إحتفالات شعبية ولقاءات رسمية، وتوجت زيارته بتقليده وساما رفيع الشأن.
والليبيون الذين يعيشون اليوم الأحد الرابع والعشرين من ديسمبر 2023م الذكرى الثانية والسبعين لإستقلال ليبيا، يجددون المثول بين يدي التاريخ وهم عارفين قيمة موقف أميل سان لو، حيال إستقلال ليبيا مثمنين موقفه ومحتفظين له بمكانة مرموقة في ذاكرتهم وذات الشعور من الود والتقدير للعراق ودبلوماسيته الناجعة أبان تلك الحقبة وما تلاها؛ لدورها الفعال والحاسم في دعم دول ليبيا وتونس والمغرب في الوصول إلى الإستقلال.