الأرض تدور والحياة عليها مستمرة، والرياح تهب من جميع الجهات وتجري كما تشتهي هي لا ما تشتهي السفن، والعالم متفجر بالأحداث المتوقعة وغير المتوقعة، وليس ثمة مجال للاختيار بين أن نكون أو لا نكون، فلا بد أن نكون، لا بد أن نكون قادرين على أن نترك أثرا عند مرورنا، أي أن نكون مؤثرين في وسطنا وفي الأوساط الأخرى، حتى لَيقول كل من يرى مرورنا: لقد مروا من هنا، وحتى لَيقول كل من يرى وقوفنا:
لقد وقفوا هنا، ويقول كل من سمع قولنا: لقد قالوا، ويقول كل من رأى فعلنا: لقد فعلوا، وفي كل الأحوال لا يمكننا التخلّي عن النُّبل في أخلاقنا، والتزام جانب الخير في كل فعل من أفعالنا، وليكن واضحا للجميع أن الجنة ليست تحت أقدام الأمهات وحسب، بل هي تحت أقدام المؤثرين بالقول والفعل، الناطقين بالحق والصدق، الفاعلين صالحا وخيرا، وكل ما هو خير حتى إن كان قليلا فهو خير، ويمكن أن يكون خيرا أكبر بإضافته إلى غيره، وكانت العرب تقول: الجمرة إلى الجمرة نارٌ ينتفع بها المقرور، نعم لا بد أن نكون، من غير أن نقف للبكاء (من ذكرى حبيب ومنزلِ)، ومن غير أن نحيّي الأطلال ونرجو سلامتها، فلا نقول: (إنّا مُحَيّوكَ فاسلَمْ أيها الطَّللُ)، بل أن نحيّي كل جديد صاعد متقدم زاهر ومزدهر.