-1-

جاء في التاريخ :

ان الوزير المهلبي – الحسن بن محمد – سمع رجلاً بائسا يبيع الناطف –والناطف نوع من الحلوى – وينادي عليها ، فرق الوزير لندائه وقال لأحد جلساته :

أما تسمع صوتَ هذا البائس في مثل هذا الوقت والشمس فوق رأسه، ثم أمر باحضاره ، فلما مثل أمامه رآه شيخاً ضعيفاً رثَ الثياب ، ومعه ناطف لا يساوي خمسة دراهم ،

فقال الوزير للفقير :

ألم يكن لك أيها الشيخ في طرفي النهار فرصة لبيع الناطف عن مثل هذا الوقت ؟

فأجاب الرجل وهو يتنفس الصعداء :

ما كنتُ بائعَ ناطفٍ فيما مضى

لكنْ قضتْ لي ذاك أسبابُ القضا

واذا المُعيل تعذرت طلباتُه

رام المعاشَ ولو على جمر الغضا

فتعجب الوزير ، من جوابه وأدبه فقال له :

أراك متأدِبَاً فمن أين لك ذلك ؟

قال :

اني ايها الوزير من اهل بيت لم تكن صناعتُه ما ترى .

فوهب له الوزير :

مائة دينار ،

وخمسة أثواب ،

وجعلها مرتباً له في كل عام .

وهنا نلاحظ :

أولاً :

تقلبات الزمان بأوضاع الناس ، فقد يجرّد الرجل المتأدب من القدرة على اشباع حاجات عائلته وينقله الى درجة الافتقار بعد الاقتدار ، ويضطره الى ان يرهق نفسه بالعمل الذي لا يدر عليه أرباحاً وفيرة مِنْ اجل أنْ يتمكن من قضاء بعض حاجاته .

فالمغرور مَنْ غابت عنه المعرفة بتقلبات الزمان، وأَمِنَ مِنْ غِيَرِ الزمان وما ينطوي من تحولات رهيبة تفضي به الى البؤس والفقر بعد أن كان ينعم بالكثير الكثير من الخيرات .

ثانيا :

انّ بائع الحلوى – وهو شيخ كبير – آثر التوجه الى ميدان العمل بدلاً من ان يبقى عالة على غيره .

وهذا ما يُقيم الحجة على كثير من العاطلين – وفيهم شبان أصحاء أقوياء ولكنهم لا يسعون بجد الى ممارسة عمل ما يسد شيئا من حاجاتهم .

ثالثا :

ان بائع الحلوى أديب مرموق بدليل جوابه الشعري البليغ للوزير المهلبي ، ومع ذلك لم يستنكف من ممارسة عمل بسيط ليكف نفسه وعائلته عن الناس .

رابعا :

انّ موقف الوزير المهلبي من بائع الحلوى يعكس نُبْلَهُ وشفقته على البائس الفقير ، وهكذا يجب أنْ يكون المسؤول، وليس مقبولا على الاطلاق أن يعيش في برجٍ عاجِي بعيدٍ عن آلام وآهات المواطنين البائسين .

خامساً :

لم يكتف الوزير المهلبي بالحل الآني لمشكلة الشيخ الفقير، وانما خصص له منحه نقدية في كل عام تُعِينُهُ على اشباع حاجاته، وبهذا أصبح قدوة لكل القادرين على مد يد العون والمساعدة للبائسين والمستضعفين .

ان العناية بالفقراء ومساعدتهم مطلوبة لا من الحكومة فقط بل مطلوبة من كل القادرين على ذلك والاّ فما معنى قوله (ص) :

{ اتقوا النار ولو بِشقِ تمرة } ؟

وفقنا الله واياكم لاغاثة الملهوفين واعانة المكروبين ومساعدة البائسين والمستضعفين فتلك هي العبادة الاجتماعية التي لن تضيع آثارها في الدنيا ولا في الآخرة .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *