قراءة قلم فجيع
قبل سنوات وتحديدا في في 2014 وقبل أيام من ظهور داعش كقوة احتلت وعاثت ببعض المدن والمحافظات العراقية .. دخل علي شخص عرف نفسه انه ( جميل ) من مدينة بغدادية في محافظة الموصل وقال انه معجب بقراءاتي وعمق تحليلاتي .. وطلب مني ان اكتب له مقدمة لمجموعته القصصية .. التي سماها ( عراق الطين ) ..
وقد ارسل – وكان الخطاب والكلام كله عبر الايميل آنذاك – بعض قصائده او ما سميته نصوص وقد اعجبتني على امل ان يرسل لي بقية المجموعة بعد يومين .. لكنه اختفى مع احداث احتلال داعش للموصل ومحاظفات عراقية أخرى .. وقد بقثيت اترقبه لعله يطل مرة أخرى او يكمل نصوصه التي اعبجتني جدا بعض مقدماتها .. فلم يظهر الى اليوم واخشى عليه كل الخشية ان يكون قد وقع ضحية لتلك الاعمال الإرهابية الاجرامية التي طالت العراقين بكل مذاهبهم وقومياتهم ..
وقد وقعت نصوصه ( التي اعجبتني جدا لغرابتها .. وما كتبت عنه ) امام عيني قبل أيام فاردت ان انوه عن ذلك .. بمناسبة أعياد الميلاد المجيد وراس السنة متمنيا له وللاصدقاء المسيحين وكل العراقيين والإنسانية السلامة والامن يارب .
فقد كتب :-
( كي تتهشم شواطئ القمر
فتبقى الجنيات تسلخ الأرواح البريئة)
هكذا بدا الجميل يخدش وجه الارض ، محاولا نزع فتيل الزيف من قلاع الشر المتاكسدة منذ الازل ، حينما أردت الابحار بمخاضات مثلث ( برومجا ) الذي صنعه ابن بغداديا في خرائط الذاكرة الممحوقة على آهات محبرته ، انسل قلمه يقارع ويقاتل في معركة خاسرة ، لم يكن راس سقراط اولها ولا خيام كربلاء اخرها ، فقد كان للمسيح نشيد يثلم الالم ويزقه غور الارض ،بعد ان تهجيت فيه بعض وجع العراق بأحاسيس موصليه وطالعت بقايا انامل الجميل على وخز الصحراء ، تذكرت حكاية كتبتها منذ سنوات تحت عنوان بهمان ، ( هكذا وجد نفسه .. وعرفه الناس .. بهمان حكاية الزمان والمكان .. بهمان لم يعرف رحم أمه ، فتجاوزته الشرائع بأحكامها ،بهمان.. كرة الألم المتدحرجة ،على قلق جرح لا يندمل وانين ضرس لا ينقلع . بهمان.. زيارة تاريخية لضمير قد مات ، نزف بهمان من شدة وقع الزلق.. فقد مات بهمان عند أول بصقه بريئة على وجه الارض . . لم يبق احد الا وبكى بهمان . حزنوا عليه طويلا ، لأنهم لم يألفوه من قبل ولا بعد. وانتهى بهمان دون ضجيج يذكر او نشيج يسمع وغادر الزمان والمكان ، كأول مرة حط بها على قارعة الطريق ، لكنه لم يترك اثراً ولم يخلف شيئا ولم يعرف ولم يتعرف على احد، لاشيء فيه يستحق الحياة ، الا حياة هانت عنده وتساوت في مقاييسه وتاهت في متاهاته . بهمان كتب في قصص الأولين والآخرين لكنه لم يكن موجودا بتاتا اذ فارق الحياة قبل ان تلده أمه ) .
ثم كتب :-
أجدني معلقا بين فناجين الهواء
تقطعني الطرق كي أنقذ ذاتي من عكازاتهم
ربما لا اجيد السباحة في أعماق الأفكار كما اني لست خريج مدرسة المتنبي او الخيام ولا الجواهري ، الا ان صرخات الجميل اشبعت ، مدارس رأسي بامنيات حبلى ورسالات ، لم تختتم بعد ، حتى حططت القلم ، مرات جنبا بلا ارادتي ، طوعا او كرها ، لم يكن ذلك المهم ، فقد ادمع قلمي مرات ومرات وانا اتملص واغور بعيدا عن نيران محرقة الانسان المنشرخ على عذابات ذات الفن الاصيل المتجذر .. ومن ثم تعبت وادلهمت دنياي تحت حراقات شمس الابد الساحقة على رؤوس الفقراء ، والمعبر عنها بمرسم الجميل كحكاية ، قد لا أجيد فك رموزها ، بسهولة ، الا ان سيلان القطر وخفقان القلب قد ينبا بالبداية والنهاية وهو ينتحب بصدق وحسرة وفوق هذا وذاك فان الاحساس الجمعي كان معبرا باغلى انحنائية الانسان المجبول على الطين من وادي الطين الى بقع الطين … التي لم تخرس فاه الجميل برغم كل معانات العراق .