نعيش على هذه الأرض بشر شتى من أجناس وألوان، تحكمنا حاجاتنا من غرائز ورغبات وشهوات وميول وأمزجة في إطارات “أنا” مختلفة. اعتدنا على نعت الطيبين المسامحين فينا بالملائكة، وهم للأسف، ليسوا بالكثرة، أما الأشرار فنسميهم بالشياطين، وللأسف ثانية، فإنهم الكثرة!
ولأغراض المقال نحدد:
من هو الشيطان؟
الشيطان هو من يعمل على اذية الاخرين وتحقيق مصالحه الانانية دون مراعاة ولا روادع. كما أنه ذلك الكائن الذي يسخر كل طاقاته الذهنية وميوله لايقاع الفتنة بين الناس وفق حساباته الخاصة وخبثه في استغلال الآخرين. إنه لا يفهم الحياة الدنيا سوى كسب ونهب وهيمنة.
أما من هو الملك ( بفتح اللام)؟
فهو ذلك الكائن الذي تتضاءل أنانيته في حياته ولا يسمح البتة أن تتجاوز حدودها حقوق الآخرين ومشاعرهم ومصالحهم. وهو ذلك الكائن الذي يكرس ما يقدر عليه في عون الآخرين دون أن يفكر في مصلحة أو استغلال. إنه يؤمن بأن ذلك هو الصواب، وعكسه هو الخطأ والخطيئة.
ولما كان علينا نحن البشر أن نعيش في مجتمعات تضم أناساً من ملائكة وشياطين، بكل ما ذهبنا اليه من طبائع وصفات، كان لا بد أن يعاني هؤلاء الملائكة من ظلم أولئك الشياطين.
يعانون من أنانيتهم وغدرهم وعدم رحمتهم وخبثهم وجشعهم وكذبهم وغشهم!
ما يؤسف حقاً أن كثيراً من المجتمعات باتت اليوم تؤمن بثقافة الشياطين في أخلاقياتها وسلوكياتها، وبدأ الميل إلى تسفيه الملائكية أو وصفهم بالجهالة والتخلف، وفي أحسن الأحوال التعامل معهم بالعطف والمواساة أو الاستغفال والاستغلال.
نعيش اليوم تباهياً وهيمنة بأموالنا وقوتنا وشطارتنا دون تساؤل عن مصادر تلك الثروة وتجريم واحتقار مصادرها غير المشروعة. نسينا أن هناك ملائكة يمشون على الأرض مضحين بعلمهم وأدبهم ومالهم ووقتهم ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
وفي عالمنا الحاضر تسود القوة والنفاق وتشترى فيه الذمم وتحكم فيه قوانين الشيطان وتهتز فيه منظومات قيم الإنسان الجميلة التي فطر عليها بطيش شديد وتدمير لا تعرف له من نهاية.
وفي خضم ذلك يعيش ما تبقى من ملائكة ألم الغربة والأذية والانزواء وحتى غرابة الأطوار!
برلين، 23.01.2024