نحن نتعب لأننا نشك في ما نعرفه ولا نملك الثقة في تأكيد معرفتنا، بينما الأحمق يبدو وكأنه أفلاطون أو نيتشه.
اليوم نواجه صراعاً شرساً بين ما نفهمه بأنفسنا وما يتم فهمه نيابةً عنّا. فنحن ندرك متى يحين دور التعاطف والمواساة، لكننا نكتشف أننا لا ندرك تماماً الوقت المناسب لهما أو الداعي لهما. والسبب في ذلك هو الأغلبية السائدة – الشعب الذي يُبنى تعاطفه على أسس متحركة، مواساته تولد من رحم الانطباعات القاسية.
فعندما لا يشعر الفرد بالراحة تجاه قصة معينة، لن يتعاطف معها حتى وإن كانت حقيقية، وسيبدأ بلعن كل من يتعاطف معها لمجرد أنه لم يرتح لما حدث. ولكنه في موقف مشابه آخر، تجد نفس الشخص يتعاطف. هذه الحيرة تضعنا في سجن دائم. فنحن نعلم أن الإنسان ابن الانطباعات الطاغية، وما يُفهم نيابةً عنّا هي التفسيرات الكثيرة للتعاطف مع حدث يؤلم الإنسانية، مما يؤدي إلى فهم نوايا لا تخدم أهداف الناس الذين رفضوا التعاطف وتناقضاً في أحداث مشابهة.
هذا يجعل المفاهيم متحركة، وما نراه ثابتاً اليوم يمكن أن يتغير غداً. وفي وسط هذا التغير، يظهر من يطالب باحترام المفاهيم حتى لو تعارضت مع الإنسانية. لذا، يكون الانطباع الصادق والإنسانية الجيدة بمثابة مطرقة القاضي التي تعيد الهدوء للقاعة.
نحن نتعب لأننا نشك في ما نعرفه ولا نملك الثقة في تأكيد معرفتنا، بينما الأحمق يبدو وكأنه أفلاطون أو نيتشه، يتحدث بثقة مفرطة. أولئك الذين برروا كل قضية تهدم سلم الإنسانية، يصيحون غداً باحترام الإنسانية. فكيف تُحترم الإنسانية ونحن لا نحترم حتى الحيوان غير المؤذي؟ كيف نبرر الأفعال القبيحة ثم نغضب من قتل فتاة أو طفل؟ ألم تشجع هذه التبريرات المجرمين على الحفاظ على شرفهم أو زيادة حظوظهم في النجاة عندما يدخلون في صراعات تافهة؟
إن الكتب والثقافة التي نقتنيها يجب أن تعلمنا الرؤية الصحيحة وزيادة وقود الإنسانية في نفوسنا. فالتفاصيل الصغيرة تصنع الفارق الكبير، وأي تبرير لقتل حمامة قد يؤدي إلى تبرير قتل الأخت أو الرجل غداً. السكوت عن الصغيرة يوصلنا إلى الكبيرة. كل شيء يبدو ضبابياً في مجتمع يفقد الجدار وظيفته ثم يعيدها له برهة ثم يسلبها. وعندما تحدث الكوارث، نضطر لتبريرها بتبريرات سخيفة لأننا اعتدنا التبرير. نحن مقيدون بعاطفة جامحة تحركنا وهي بوصلة وجهاتنا ومن دونها نُقهر. الجريمة واحدة وكل تبرير لما هو واضح هو قتل للوضوح نفسه.
لذا، نحن نرغب في مخالفة الأمور، لكننا في كل مخالفاتنا نخطئ لأن الوقت غير مناسب وكل مخالفة تتعارض مع فطرة الإنسان.