في مقالات سابقة اكدت على النقاط التالية:
اولا، ان الحالة في العراق تستدعي تغييرا او اصلاحا جدريا يطال “المشكلة الام” التي هي: الانسداد الحضاري، او التخلف الحضاري، او الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع (الذي يشمل الناس والسلطات). وهذا لا يعني اهمال المشكلات الاخرى، كالفقر والبطالة وسوء الاداء وغيرها، لكن هذه الظواهر السلبية نتائج جانبية للمشكلة الام.
ثانيا، ان التغيير يمكن ان يتم عبر ثلاث خطوات هي: تكوين امة التغيير، تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، انبثاق السلطات الصالحة.
فيما يتعلق بانبثاق السلطات الصالحة، يتطلب الامر ازاحة الطبقة السياسية الحالية وتكوين طبقة سياسية جديدة تتألف من السلطات التنفيذية والتشريعية الاتحادية وفي الاقاليم والمحافظات.
ويتصور الناس ثلاث وسائل مكلفة لاحداث هذا التغيير، فيما توجد وسيلة رابعة اقلهن كلفة وضررا.
الوسيلة الاولى، الانقلاب العسكري. وهي وسيلة طبقها العراق منذ الانقلاب العسكري الاول الذي قاده عبد الكريم قاسم في ١٤ تموز من عام ١٩٥٨.
الوسيلة الثانية، التدخل العسكري، وهي الوسيلة التي تم اعتمادها في عام ٢٠٠٣ وادت الى سقوط النظام البعثي الصدامي.
الوسيلة الثالثة، الثورة الشعبية التي شهدت امثالها بلدان عربية اخرى خاصة فيما عُرف بالربيع العربي.
لكل واحدة من هذه الطرق حسنات لدى الراغبين بها وسيئات لدى رافضيها. ولكنها في الحساب الاجمالي ينطبق عليها حكم القران الكريم في الخمر قبل تحريمها، حيث قال: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا”.
ذلك ان كل واحدة من هذه الطرق تحتوي على قدر من الضرر اكثر من النفع المتوقع منها، الامر الذي يزيد من كلفتها، ويجعل كلفة الاصلاح اكثر من كلفة الفساد. وذلك لاسباب متعلقة بالحالة العامة للمجتمع العراقي وطبيعة الطرق المذكورة نفسها. وهذا العلم بهذه الطرق ليس افتراضيا، انما هو منتزع من التجارب الواقعية. وهي تجارب الى تدعو نتائجها الى الاطمئنان. وهذا ما يدعو للتفكير بطريق اقل كلفة، بحيث يكون نفعه اكثر من ضرره وليس العكس.
وهذا هو الطريق ذو الخطوات الثلاث الذي اقترحته في مقالات سابقة.
يمتاز هذا الطريق بثلاث نقاط تجعله اقل كلفة.
النقطة الاولى، سلمي، فلا يحتاج الى اراقة دماء.
النقطة الثانية، تراكمي، تظهر نتائجه الايجابية بصورة تدريجية وليس فجائية، فكل خطوة نحو الامام تؤسس للخطوة التي تليها، وبتراكم الانجازات يحصل التغيير والتقدم.
النقطة الثالثة، دستوري، يستند الى الحد الادنى من الشرعية الموجودة الان في المجتمع العراقي، وهو دستور عام ٢٠٠٥. وهذه نقطة مهمة في اية عملية تغييرية حيث ثبت ان ما يسمى بالشرعية الثورية تفتح الباب لاي كان لان يقتحم الفضاء الاجتماعي ويفرض ارادته السياسية على الناس. وهذا ما كان يحصل في العراق منذ عام ١٩٥٨ الى عام ٢٠٠٣. ان الشرعية تعني وجود مرجعية دستورية عليا يعود اليها المجتمع لادارة صراعاته وخلافاته. وهذه الشرعية متوفرة الان بحدها الادنى، ممثلة بالدستور وبالمحكمة الاتحادية التي منحها الدستور سلطة تفسيره والحكم بدستورية الاجراءات والقوانين. وهذا مكسب مهم تحقق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي لم يكن يستند الى شرعية دستورية.
وفي سعينا الى التغيير والاصلاح نحو الاحسن لا يصح ان نفرّط بهذا المكسب ونلغيه لان هذا سوف يعيدنا الى الفوضى والتحكم والشرعيات الاعتباطية. ولهذا يجب ان تكون الخطوات التغييرية مستندة الى شرعية دستورية. وهذا يرسي تقليدا مهما وحضاريا في المجتمع يضبط ايقاع الدولة والمجتمع على قواعد معلومة مسبقا بالنسبة لجميع الاطراف.
والخطوات الثلاث المقترحة للتغيير تتماشى مع الدستور ولا تتعارض معه، ويمكن اعتمادها بدون الاخلال بالشرعية الدستورية.