من المعروف ان شباب البلد هم ثروته الحقيقية وهم قادة المستقبل وبناة الوطن وعنوان نهضته وتقدمه لذلك تولي جميع الدول أهمية كبيرة لشريحة الشباب وتؤمن لهم كل الإمكانيات المادية والمعنوية والفنية التي تساعدهم على صقل مواهبهم وتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم التي ستوظف بالتأكيد لخدمة وطنهم وشعبهم من خلال ما سيحققونه من انجازات علمية وتكنولوجية وطبية وهندسية ومعمارية وأدبية وفنية وغيرها , وتقوم اغلب الدول بإعداد برامج خاصة لتطوير قدرات الشباب وإحاطة الموهوبين منهم برعاية خاصة تساعدهم في تطوير قدراتهم ومواهبهم وتوجيههم التوجيه الصحيح بما يتناسب ومواهبهم , ان الاهتمام بثقافة الشباب واحتضانهم ورعايتهم مسؤولية تضامنية تتحملها الدولة أولاً لان لديها كل الإمكانيات التي تساعدهم على تطوير قدراتهم ومهاراتهم من ثم المدارس والجامعات من خلال توجيههم التوجيه الصحيح الذي يوافق مواهبهم وتقديم كل المساعدة لهم والعائلة التي توفر لهم البيئة الملائمة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم وللشباب أنفسهم دوراً مهماً في هذا الأمر من خلال التثقيف الذاتي ومتابعتهم واطلاعهم للأنشطة والفعاليات والبرامج التي تتوافق ومواهبهم ومهاراتهم وقراءتهم الكتب الثقافية والأدبية والعلمية,واذكر نحن جيل الخمسينات وما قبلها عندما كنا في مرحلة الشباب خلال فترة الدراسة المتوسطة والثانوية كنا نشتري الكتب من مصروفنا اليومي بعد ان ندخره لعدة أيام وكنا نتشارك في شراء بعض الكتب والمجلات وكن نتبادل الكتب والمجلات بيننا وعند حصول احدنا على كتاب أو مجلة كنا نتلاقفه ونقراه بشكل دوري كما كنا نذهب للمكتبة المركزية في العطلتين الربيعية والصيفية ونطالع فيها لساعات ونستعير منها الكتب التي لا نتمكن من إكمال قراءتها في المكتبة فكان اغلب شباب جيلنا والجيل الذي سبقنا قد قرأ روايات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وكتب طه حسين والعقاد والمنفلوطي وسلامة موسى وتولستوي وارنست همنغواي وأشعار المتنبي والرصافي والسياب والجواهري ونزار قباني وشعراء الجاهلية ونقرأ العديد من المجلات والصحف العربية والمحلية وكنا نتبارى بيننا بعدد الكتب التي قرأناها وكان مدرسينا آنذاك يساعدوننا ويوجهوننا للقراءة والتزود بالمعلومات وزيادة ثقافتنا وكان العديد منا يشاركون في المسابقات المدرسية الأدبية والفنية والعلمية وغير المدرسية ويتفوقون فيها, والسؤال المهم هنا ما الذي يحصل لشباب اليوم ولماذا هذا العزوف عن الثقافة ؟ وهل نلومهم أم نلوم الظروف السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية المضطربة في بلدنا؟ أم نلوم الدولة والحكومات التي لم تعمل على حل مشاكل الشباب وتامين احتياجاتهم ومتطلباتهم وتوفير البيئية الملائمة لتطوير مهاراتهم ؟ أم نلوم المدارس والجامعات التي باتت لا تهتم بالثقافة والعلم خصوصا الجامعات الأهلية التي ازدادت أعدادها والتي أساء بعضها للعملية التربوية والتعليمية واصبحت دكاكين لبيع الشهادات ؟أم نلوم العوائل لأنها لا تتابع أبنائها ؟ والجواب الكل ملام ويتمل قسطاً من المسؤولية لأنه تسبب في خسارة شبابنا وضياع مستقبل أعداد كبيرة منهم فسوء إدارة الدولة والحكومات وسوء تخطيطها وعدم قدرتها على تامين جزء من امكنياتها لخدمة الشباب واحتضانهم وتوفير فرص العمل المناسبة لهم وإهمالهم وتركهم هائمين في الشوارع تفتك بهم البطالة وتنهش بهم المخدرات ويشغلهم الهاتف النقال والانترنيت غير المراقب ولم تأخذ بأيديهم وتعلمهم المدارس والمعاهد والكليات وتغض الطرف عنهم العائلات وهم بين هذا كله ضائعون بلا عنوان ولا مسميات , إنها خطيئة كبرى تقترفها الدولة والحكومات المتعاقبة بحق شبابنا بسبب عدم رعايتها لهم وإعداد الخطط المناسبة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجو الكليات والمعاهد سنويا في مشاريع ووظائف تناسب تحصيلهم الدراسي وقدراتهم ومهاراتهم مما تسبب في انحراف الكثير منهم وضياعهم حتى أصبحوا ضحية للبطالة التي أصبحت ظاهرة خطيرة في مجتمعنا وفريسة للمخدرات وصيداً سهلاً لعصابات الجريمة والمافيات.
قتل القدرات
وهكذا تعطلت طاقات وقتلت قدرات وأُهملت كفاءات لو وظفت بشكل صحيح وحضت برعاية جيدة ووجهت توجيها صحيحاً لأصبحت من عوامل نهضة وتقدم وتطور ورقي وازدهار بلدنا , كما يتحمل المجتمع والعائلة جزءاً من هذه الخطيئة فالمجتمع الواعي المنضبط لا يسمح للوسائل المدمرة للشباب ولا للأنشطة السيئة والممارسات المنحرفة من الانتشار والعمل بحرية بل كان عليه محاربتها بكل الوسائل وبمساعدة الحكومة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة ورجال الدين المتنورين , وللعوائل نصيب في هذه الجريمة فهي المراقب الأول لأبنائها الشباب وصمام الأمان لهم وهي التي تصوب تصرفاتهم وتوجهاتهم وتسدد خطواتهم على الطريق الصحيح طريق النجاح والتفوق والأمل والعمل المثمر البناء الذي يحقق آمالهم ويخدم بلدهم وشعبهم , إذاً الدولة والحكومة والمجتمع أمام مشكلة كبيرة تعصف بشبابنا هذه الأيام وأمام مفترق طرق أحدهما طريق النجاح طريق الثقافة والعلم والمعرفة والعمل والتقدم والتطور الذي تستطيع الدولة والحكومات تحقيقه بسهولة ويسر ومن خلال إجراءات وقوانين وخطط مدروسة تعد من قبل خبراء وعلماء في الاجتماع والاقتصاد والتخطيط الإنمائي والعمل والتربية والعلوم والفنون والآداب لاحتضان ودعم شريحة الشباب والاهتمام بمواهبهم وقدراتهم وتأمين مستلزمات نجاحهم وتوفير فرص العمل المناسبة لهم وترعى الموهوبين والمتفوقين منهم وتحميهم من المخاطر الكبيرة التي تحيط بهم ويجب ان تدعم هذه الإجراءات من قبل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني من خلال تأسيس منتديات للشباب وعقد حلقات ثقافية وعلمية وأدبية وفنية وإجراء المسابقات والمهرجانات في مختلف المجالات وتخصيص جوائز تقديرية للمتفوقين والفائزين ويجب ان تحضى هذه الإجراءات بمساندة الجامعات والمعاهد والكليات والعوائل وتحضى بمتابعة ومشاركة فاعلة من الشباب لأنها وجدت لخدمتهم وتطوير مهاراتهم وإمكانياتهم لتحقيق طموحاتهم وآمالهم وأهدافهم الشخصية ومن ثم خدمة وطنهم وشعبهم وبشبابها تبنى وتتقدم وتتطور الأوطان.