أذكر فيما أذكر ونحن في اواخر عهد الطفولة وتحديدا في سن التاسعة والعاشرة يأتي الى الزقاق رجل عجوز متسول كل يوم وقت الظهيرة والمغرب يستجدي من البيوتات الطعام ، كان هذا المتسول مثار اعجابنا ودهشتنا بما يرتديه من ثياب بالية رثة لا تتجاوز الساقين مع شعر كثيف يغطيه الشيب ينسدل على كتفيه بدا لنا كأنه وحش جاء من المجهول يحمل عصاه الغليظة بيده اليمنى بينما يحمل بيده اليسرى كيسا جلديا لمتاعه ..نتداول اسمه على شفاهنا بلفظ ( اصبيع ) أترى هذا اسمه الحقيقي ! لا ندري ..ثم يا ترى من اين جاء ! ما عنوانه ! ما هويته ! لا ندري ،اما سنه فربما تجاوز الثمانين ومع ذلك فانه يكاد يهرول في مشيته قويا مرعبا ، غير اننا مع الايام اعتدنا عليه فلا تفارق الابتسامات وجوهنا ونحن ننظر اليه ثم نعاود لعبنا دون اكترات .. والواقع انه لم يتعرض لأحدنا يوما غير انه اذا استثير وأوذي يجن جنونه ويصرخ صرخات مرعبة ويكاد يفتك بمن آذاه ..قيل انه كان ينام في بيت خرب مهجور خلف البساتين التي تحيط بالآزقة .
وجاءت أيام افتقدناه بها ثم جاء الخبر اليقين بأنه مات في العراء ميتة غامضة لم يكن فيها معه أحد ولم يواسه بها أحد .
وقفنا صامتين محزونين عليه بقلوب طفولية بريئة في مشهد رثاء مؤلم .