-1-
اذا كان هناك من لا يتهم بإزجاء الشكر لأصحاب المعروف الذين أكرموه، في منحى واضح الدلالة على اليبس والجفاف في التعامل الاجتماعي، فانّ هناك بالمقابل مَنْ يشكر على المعروف بمجرد أنْ يهم به صاحِبُه أي أنّه يشكر قبل أنْ يصل اليه شيء من ذلك المعروف، وهذا هو الأدب الجمّ والنبل الأصيل .
اسع ما قاله الشاعر في هذا الباب :
لأشكرنّك معروفاً هممتَ بِهِ
إنّ اهتمامَك بالمعروفِ مَعْرُوفُ
ولا أذُمكَ انْ لم يُمْضِهِ قَدَرٌ
فالشيءْ بالقَدَرِ المحتومِ مَصْرُوفُ
ولا تكتمل الصورة الاّ حينما نقف على أن صاحب النبل الأصيل لن يذم رجلاً نوى المعروف ولكنْ عاقَتْهُ عنْ إنفاذِهِ العوائق، وهذا إنْ دَلّ على شيء فانما يدل على صفاء النفس وسلامتها من العُقد والشوائب .
-2-
هناك قول مأثور مشهور يتردد على الألسنة مفادُه :
« مَنْ لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق «
ومن هنا ترى الأطياب يسارعون الى الثناء على مَنْ أَحَسَن اليهم وأسدى لهم معروفا، ويولونه المحبة والتقدير، بينما يستكثر آخرون على انفسهم ان يردوا على التحية بتحية، خلافاً لكل ما تقتضيه القواعد والموازين ، ويقابلون الجميل بالقبيح من المواقف، في منحى مشوب بالتنكر لما يجب ان يقدّر ويُشكر ..!!
-3 –
انّ الاخلاق هي المحك الحقيقي لما تنطوي عليه الشخصية من غِلْظَةٍ أورِقّةٍ ، ومِنْ سموٍّ أو ضعة …
ومن هنا قال الشاعر :
وانما الأمم الاخلاقُ ما بَقِيَتْ
فان هُمُ ذَهَبَتْ أخلاقُهم ذَهَبُوا
-4-
ولا أكتمك أيها القارئ العزيز سراً اذا قلت :
اننا اليوم نعاني أزمة أخلاقية مرعبة ، تغيرت معها الطباع ، واستُطيب في ظلها التنكر ، والامتناع عن مقابلة الاحسان بالاحسان والمعروف بالشكر والامتنان .
وما الفساد المالي والإداري -وقد شاعا في البلاد وأرهقا العباد – الاّ فروع ذلك الفساد الأخلاقي .
-5-
لن ينعم الفرد والمجتمع والأمة بالأمن والاستقرار والسعادة الاّ حينما تعبق الأجواء العامة بعبير الاخلاق …
وحين تغيب او تضعف تكثر الجرائم والمظالم وتنطفئ جذوة المكارم
وهنا تكمن الطامة الكبرى .