في وسط هذه المتاهة التي يعيشها الإنسان المعاصر راح يلهو ويعبث دون أن يفكر بالنتائج المترتبة عليه وعلى أسرته ومجتعه . أجل اي متاهة نحن تحت وطاتها ! لقد فقدنا بها حلاوة الماضي وضاع من خلالها ثقل الحاضر وفقدنا الرؤية لعالم الغد الذي ينتظرنا . فأين نحن من إيقاعات الماضي التي كانت تفعل مفعولها في النفس لتزيدها بهجة ونفاؤلا وأملا ؛ كان للحياة طعمها اللذيذ الذي يكتنفها في تلك المشاعر الرقيقة التي غدت جزءا من واقع له مواصفاته الجميلة . أما هذا الحاضر فهو يكشف عن نفسه في كل حركة وفي كل سلوك وفي كل التغييرات التي اقتحمته سريعا لتستقبلها نفوس هائمة بكل حرارة وكأنها تنتظرها منذ أمد بعيد ..أمر محير في سر هذه الإنتقالة ؛ لم تأت من فراغ حقا لكنها قلبت المعادلة من يقين ألى شك ومن أمن الى خوف ومن ثبات إلى تردد ومن سكينة إلى قلق ومن جمال ألى قبح ومن حياء ألى عري . واقع مؤلم يضرب ضرباته الموجعة في الصميم بعد أن نزعنا لباسنا المألوف الذي كان يسترنا وضربنا عرض الحائط كل القيم والأعراف . اما الغد الذي ننتظره فقد فتحنا الأبواب لإستقباله بضحكات بلهاء ورقصات مجنونة وحمية جاهلية ؛ ورفاهية مقنعة بزيف ؛ وضريبة غرست بدم مسفوح ؛ وعطاء مبتذل سرق من بطون جائعة ؛ وشبع سلب من مال حرام ؛ وقيود مرهقة خنقت الأنفاس؛ ورق للضمير والوجدان ؛ وغربة في أحضان الضجيج ، وظلمة موحشة وسط أنوار مزيفة ؛ وصرخات مذعورة في وجه ثارات مزعومة ؛ وشعارات كاذبة صبغت بألوان رياء . هي ذي الصورة بل هو ذا المشهد بماضيه وحاضره وغده . فأية لعنة نحن عنها غاقلون !