-1-
في السابع والعشرين من شهر ربيع الاول سنة 1390 ودعّت الامة مرجعها الاعلى وقائدها العظيم الامام آية الله العظمى السيد محسن الطبطبائي الحكيم الذي كان من اعاظم القادة المصلحين والفقهاء النابغين وصاحب الحنكة والقدرة المتميزة في مواجهة التحديات الصعبة والضغوط القاسية .
-2-
لقد كان منذ مطلع شبابه رائداً من رواد النهوض للدفاع عن الاسلام والتصدي لمنازلة اعدائه، ودوره التاريخي ابّان الغزو البريطاني للعراق بمعية الامام الثائر السيد الحبوبي معروف لا يستطيع احدٌ انكاره .
-3 –
ولقد كان ذا دراية دقيقة واستيعاب كامل لاوضاع الشعب العراقي بكل شرائحه وطبقاته وهذا ما مكنّه من النفاذ الى قلوبهم وليس الى عقولهم فقط .
-4-
والى جانب الفقاهة العالية التي كشف عنها ( بمستمسك العروة والوثقى) عُرف الامام الحكيم – قدس سره – بورَعِهِ الشديد وتقواه، الامر الذي جعله القمة والقدوة في العلم والعمل .
-5-
ولقد نمت الحوزة العلمية العراقية والعربية في ظل مرجعيته نمواً ملحوظا حتى بلغ مجموع طلابها واساتذتها سبعة آلاف بين تلميذ ومدرس .
-6-
ولقد امتدت اهتماماتُه الى الجانب الثقافي والفكري فأنشأ مكتبه عامة في النجف الاشرف باسم ( مكتبة اية الله الحكيم العامة ) ضمّت نفائس المخطوطات والكتب .
ثم أنشأ لها فروعاً في المدن والقصبات العراقية ، وكان لها دورها المهم في انتشال الجيل من ظلمات الجهل والتخلف .
-7-
دخلتُ عليه يوما فسألني عن مكتبة الامام زين العابدين في محلة (ام النومي) في الكاظمية ، وكانوا قد كتبوا له رسالة يطلبون منه الايعاز باسعافهم بالكتب .
سألني هل أعرفُ الطبقة التي ترتاد تلك المكتبة ليرسل لها ما يناسبها من الكتب .
وأظهر رغبته في زيارتي للمكتبة المذكورة وموافاته بالمعلومات اللازمة عنها .
انّ مسؤولياته الكبيرة لم تمنعه من البحث عن الكتب المناسبة التي يريد ان يبعثها لمن كتبوا اليه ..
هذا مثال واحد من الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى على شدة اهتمامه بحاجات الناس .
-8-
دخلت عليه في مستشفى ابن سينا عائداً في مرضه الذي توفي فيه فقرأت له أبيات منها :
ملءُ بَرْدَيْكَ ايّها القائدُ الفذُّ
شُموخٌ وحكمةٌ وسَدادُ
ومزاياكَ وهي كالأَنْجُمِ الزُهْرِ
سُطوعاً لم يُحْصِها تعدادُ
ولقد بوأتك عالي ذراها
وكفاك الجهاد والاجتهاد
فبكى ثم أمر ولده المرحوم العلامة السيد محمد حسين الحكيم – الذي استشهد فيما بعد مع الكوكبة الحكيمية على يد النظام الدموي القمعي البائد – ان يحتفظ بالورقة التي ضمت الابيات، في منحى واضح الدلالة على تقديره وتثمينة للابيات .
-9-
وحين اختاره الله الى جواره أرختُ وفاته فقلتُ :
سيفُ المنايا مُرْهَفُ الحَدِّ
يُردِي ولا نقوى على الرَدِّ
بَعَث الأسى فينا وسعّرها
ناراً تَضُجُ بلاعجِ الوَجْدِ
فمصيبةُ الاسلامِ قد عَظُمَتْ
بِزعِيمِه وَحَكِيمِه الفَرْدِ
والأمة الثكلى به فُجعِتْ
وعزاؤها لإمامها المهدي
وغدت تؤبنُه مؤرخةً
( مَثوى الحكيمِ بجنّة الخُلْدِ )
1395 هـ
-10-
يجري ذِكر الامام الحكيم على شفاه العراقيين عرباً وكرداً وتركمانا واقليات وبكل تجله واحترام وتقديس لانه مثل الدور المشرق للنيابة عن الائمة الاطهار (عليهم السلام) وكان الأب الحاني والزعيم الأمثل والمرجع المقتدر في تصريف شؤون المرجعية العليا وهذا ما جعله حاضراً رغم غيابه عنا .
نسأله تعالى ان يتغمده بواسع رحمته ورضوانه وأنْ يعلي درجاته في الجنان ويتغمد برحمته انجاله الكرام الشهداء والأعلام من أسرته الكريمة.
انا لله وانا اليه راجعون .