-1-
يستسخف الناس قول من قال :
كأننّا والماء مِنْ حَوْلنا
قومٌ جلوسٌ حولهم ماءُ
لأنه لم يأت بشيء ملفت بل جاء بالركيك الموجب للسخرية .
-2-
غير أنَّ صاحب الشاعرية الفّذّة تكون له القدرة على الوصف المثير الذي يجعلك تهتز تفاعلا معه .
-3 –
وبعيداً عن الإطناب والتوسع في الشواهد الشعرية نكتفي بسرد بعض الأمثلة .
قال الشمقمق واصفاً داره :
برزتُ من المنازل والقبابِ
فلم يعسر على أحدٍ حجابي
فمنزلي الفضاءُ وسقفُ بيتي
سماءُ اللهِ أو قِطَعُ السحابِ
فأنتَ اذا أردتَ دخلتَ بيتي
عليَّ مُسلِماً مِنْ غيرِ بابِ
لأني لم أجد مصراع بابٍ
يكون من السحاب الى التراب
وقد جعلك تستوعب الصورة المحزنة حين ذكر أنَّ بيتَهُ ليس له مصراع باب .
راجع الصحافة العربية الساخرة
للباحث الموسوعي الأستاذ محمد احمد المعبر ص 251
-4-
وهذا ابن دانيال يعيش في منزلٍ مُوحِشٍ وحيداً مع حصيرة ومخدّة .. وثلة من الفئران ويقول :
أصبحتُ أفقرُ مَنْ يروح ويغتدي
ما في يدي من فاقةٍ الاّ يَدِي
في منزلٍ لم يَحْوِ غيري قاعداً
فاذا رقدتُ رقدتُ غيرَ مُمَدَدِ
لم يَبْقَ فيهِ سوى رسومِ حصيرةٍ
ومخدةٍ كانت لأم المهتدي
مُلقىً على طرّاحة في حشوها
قَمْلٌ كمثل السمسم المتبدِدِ
والفأر يركض كالخيول تسابقت
من كل جرداء الأديم وأجردِ
هذا ولي ثَوْبٌ تراه مُرّقَعا
مِنْ كُلّ لونٍ مثل لون الهدهدِ
المصدر السابق / ص 251 – 252
-5-
وهذا النصير الحمامي ( نصير بن احمد المنازي المصري ت 712 هـ )
يقول في وصف داره القديمة المتداعية التي يسكنها :
ودار خرابٍ بها قد نزلتُ
ولكنْ نزلتُ الى السابعه
فلا فرق ما بَيْنَ أنّي أكون
بها أو أكون على القارعه
تساورها خطرات النسيم
فتصُغي بلا أذن سامعه
وأخشى بها أن أقيم الصلاة
فتسجد حيطانها الراكعه
اذا ما قرأتُ اذا زلزلت
خشيتُ بانْ تقرأ الواقعه
راجع كتاب ( حُط بالخُرج ) ص 15 -16 للباحث الموسوعي الأستاذ الأديب محمد احمد معبر
والسؤال الآن :
كم هم أمثال الشمقمق وابن دانيال والنصير الحمامي ؟
ولكن مَنْ منهم استطاع أنْ يلفت الأنظار الى معاناته ؟
ليس فيهم من يملك البراعة الشعرية والأدب العالي الذي يستطيع به أنْ يدق جرس الإنذار …
ومن هنا اجتمعت عليهم الأعباء :
ضيق المنزل ، قلة ذات اليد ، نسيان الآخرين لمكابداتهم، ولو كانوا يملكون مسحة من الأدب لما تضاعف عليهم العناء .