ماحدث في افغانستان مؤخرا..من تمكن حركة طالبان فرض سيطرتها على عموم افغانستان..والاستيلاء على السلطة في العاصمة كابول..صادما ومقلقا وربما ينذر بتغيرات جيوسياسية مفاجئة..وتستهدف الديمقراطيات الناشئة حديثا ..في العراق وليبيا وتونس ومصر وغيرها..مع وجود أفكار وايدلوجيات متشددة..ورافضة لأي مشروع ديمقراطي..وتدخلات سافرة لدول خارجية لها نفوذها المذهبي..ومركزهاالمالي المرموق..الذي يتيح لها إسناد المجاميع المتطرفة والارهابية..ومدها بأسباب القوة والبقاء.
تألم الكثير في العالم..لدى مشاهدته تلك الحشود في مطار كابول..عند وصول طالبان إليها..وهي تحاول التشبث بطائرة النقل العسكرية الأمريكية..للخلاص من واقع ستفرضة الحركة حتما..بنهجها المتشدد وايدلوجيتها المغلقه..اذ ستدخل الشعب الأفغاني في أتون جحيم لايحتمل وعهد ظلمات لايطاق..على الصعيد السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي.
قد تكون طالبان تعهدت للامريكان والحكومة الافغانية..في خلال المفاوضات التي جرت بينهما طوال عام برعاية قطريه..انها لن تكون تلك النسخة التي حكمت مابين الأعوام ١٩٩٦_ ٢٠٠١ ..وأنها تنتهج الدبلوماسية الهادئة..القائمة على تبادل المصالح وعدم التدخل في شؤؤن الدول الأخرى..ولن تهدد أمن الولايات المتحده ودول أوروبا ..أو تكون قاعدة لإيواء التنظيمات والأحزاب الإرهابية..وستراعي في الداخل التعددية..وحقوق الإنسان والمراءة والأقليات الدينية والعرقية.
لكن تلك التعهدات لن تصدق أو تصمد طويلا..وهي ليست إلا تكتيكا لمراوغة الولايات المتحده والشعب الافغاني..لأجل الوصول الى السلطة..وستمارس حتما التعسف والاضطهاد والاكراه..ولن تتهاون مع مظاهر الانفتاح والتعددية وحرية الرأي..والثقافة والفن والإبداع بأنواعه..وستحكم قبظتها بقوه للتظيق على ثقافة الأقليات وخصوصياتهم المذهبية والعرقية..وستتحول أفغانستان مع الزمن..إلى مدرسة للتعبئة الفكرية والعقائدية..وقبلة أنظار المتطرفين في كل مكان في العالم.
التطورات الدراماتيكية المتسارعة في افغانستان..قد يتكرر حدوثها مع تجارب ديمقراطيه وليدة..إن لم تلتزم الطبقة السياسية المتصدية للحكم ..وتلتزم حرفيا بالنهج الوطني..وتقضي على الفساد والمحاصصة والنهب المبرمج للمال العام..وتعمل بمبداء العدالة وحقوق الانسان والحريات العامة والتوزيع العادل للثروة..واعادة هيكلة الإقتصاد وجعله انتاجيا ومستداما..وتشجيع استثمار الشركات الكبرى وعمل القطاع الخاص..وبناء المؤسسات خصوصا العسكرية والأمنية..على أسس وطنية مهنية وحرفية..باعتماد الكفأة والتدريب المكثف و التكنلوجيا الحديثة.
لن نجادل أو نختلف..إن الولايات المتحده بتدخلها العسكري المباشر..هي من اسقطت نظام طالبان عام ٢٠٠١ ونظام الدكتاتور صدام حسين عام ٢٠٠٣ ..في عهد حكم الرئيس الأمريكي بوش الإبن..عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر..لكن الولايات المتحده لم تكن تصر على موقفها في جميع الظروف..وتراعي مصالحها القومية بالدرجة الاولى..خصوصا مع تغير إدارتها الحاكمة وبشكل مستمر بين حزبيها الرئيسين الجمهوري والديمفراطي..واختلاف ستراتيجية كل منهما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية..والتدخلات العسكرية ونشر الديمقراطية خارج حدود الولايات المتحدة.
والأحداث في العراق خير مثال على ذلك فالذي جرى في العام ١٩٩١ من انتفاضة عارمة للشعب العراقي..اثر هزيمة الجيش العراقي عند احتلاله لدولة الكويت ..واصرار الولايات المتحده على دعم النظام واعطائه الضوء الأخضر بقمع الانتفاضة..بحجة الخوف من تداعيات اقليمية محتمله..وعدم التنسيق مع المعارضة العراقية..وما كاد إن يحدث أثناء الحرب الأهلية مابين الأعوام ٢٠٠٦_ ٢٠٠٧ عندما تعرض الرئيس الأمريكي بوش الإبن لحملة انتقادات وضغوط كبيره من قبل أعضاء في الكونغرس الأمريكي من كلا الحزبين تطالبه بسحب الجيش الامريكي من العراق وعدم ابقاءه عالقا وسط حرب اهلية..لكنه أصر على البقاء ومواصلة العمل في العراق..وغزو داعش للأراضي العراقية في حزيران عام ٢٠١٤ وتردد أوباما في التدخل لولا الإتفاقية الأمنية المعقودة بين العراق وامريكا والضغوط الداخلية الموجهة إليه من قبل الجمهورين..فاضطر للتدخل على مضض.
ماحدث رسالة واضحة لعشاق السلام والحرية ..مفادها إن لم تنهض الشعوب من غفلتها وتتسلح بالوطنية..وتسعى لبناء أسس دولة ديمقراطية رصينة..وتحسن التعامل مع صندوق الاقتراع بعيدا عن الولاءات الفرعية..وبما يضمن وصول الوطنيين الشرفاء لإدارة شؤون البلد..فإن فرصها في النجاح وتحقيق المكاسب والصمود بوجه التحديات..لن تكون سانحة وستتضائل باستمرار وربما ستكون صيدا سهلا للتطرف والارهاب.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *