عاهدوا الله وعاهدوا أنفسهم أن يكونوا خير رعاة لرعيتهم اذا ما آلت السلطة اليهم ، وأن يؤدوا الأمانة خير أداء وأن يرفعوا من شأن الوطن الرفعة العالية ، فلما تحقق لهم ما أرادوا وأمسكوا بزمام السلطة وانتهى ذلك العهد القديم بمساوئه وظلمه وجبروته ، انقلبوا بعد برهة من الزمن فخانوا الله وخانوا أنفسهم ، لقد غرهم الكرسي بما فيه من مغريات ليزدادوا اثما وفسادا حتى ضجت الأرض من سوء أفعالهم وتنكروا للرعية وساموها عذابا وبهتانا وغدرا .
وكلما ارتفع صوت يناديهم أين ما وعدتمونا من وعود ! وأين قسمكم الذي أقسمتم به ألا تكونوا مفسدين قالوا انما نحن مصلحون .
فكذبوا وازدادوا اثما وعدوانا على رعيتهم ، فبانت طويتهم وراحوا يستبدون بالأمر كله يتقاسمون بينهم الغنيمة ليكون سكنهم القصور العالية وطعامهم كل ما لذ وطاب وحياتهم جميعها ترف وبذخ وتبذير .
لم يكن لهم أي رصيد من المال فأصبح لهم رصيد لا تحسب أرقامه بينما ظلت رعيتهم التي وعدوها بالوعود الرنانة تعاني الأمرين من فقر وذل .
كنا نحسبهم ملائكة قبل أن يجلسوا على كراسي السلطة فاذا هم شياطين بعد أن تهيأت لهم الأسباب للوصول الى قبضة السلطة .
لقد انقلبوا بين ساعة وضحاها من خراف وديعة الى ذئاب شرسة ، وراح هذا الوطن يئن من مكرهم وخداعهم واستبدادهم ، بل هم زادوا هذا الوطن جراحا فوق جراح فبددوا ثرواته واستباحوها دون أن يكون للرعية نصيب يذكر من هذه الثروات .
ترى ما لغز هذا الكرسي الذي يفعل فعله العجيب في النفوس سيما النفوس الضعيفة التي لا جذور لها ولا عنوان ولا تاريخ !
ألم يجلس على هذا الكرسي من قبل من استبد بالأمر فظلم وتجبر ! فلم ينهج الذين جاءوا من بعدهم النهج نفسه ، بل يزيدون عليه اجحافا وفسادا .
ثم يا ترى هل وطننا وحده هو الذي يعاني من عقدة الكرسي أم أن أوطانا أخرى تشاركه اللعبة ذاتها ؟
غير أن الأوطان التي رست فيها الديمقراطية فان الكرسي لا يحسب له حساب وليس له أي شأن ، وأن السلطة الحاكمة مستمدة ومنتخبة من رأي عام منور ، لذا فهي سلطة اصلاح وليست سلطة فساد ، هي سلطة تعمل ليل نهار لتحقق أهدافا مرسومة في البناء والرقي والتقدم .