محمد الكلابي

لو كان للزمن أنياب، لعضّنا جميعًا ونحن نظنّه يمضي بلطف. لو كان للوقت ظل، لرأينا كيف يسرق منا الأيام كما يسرق اللصّ الغافلُ كنزه. لكنه لا يفعل، لأن الزمن يعرف أن الإنسان ليس ضحيته، بل شريكه في الجريمة.

وأنا اليوم أواجه جريمتي: لقد نسيت عيد ميلادك.

ليس لأنك أقلّ حضورًا، بل لأنك أكثر من مجرد رقم يُضاف إلى تقويم، أكثر من تاريخ يُحتفل به. أنت من أولئك الذين لا تُختصر حياتهم في يومٍ، لأنهم يعيشون كأنهم فكرة، كأنهم سؤالٌ ممتدٌّ عبر الزمن.

كنتُ أبحث عن طريقة أعتذر بها لك، فوجدتُ نفسي أقرأ عن يوليوس قيصر، عن ذلك الرجل الذي قسّم الزمن بحدّ سيفه، الذي لم يرضَ بأن تكون الأيام فوضى، فابتكر تقويمًا جديدًا ليضع لها نظامًا. لكنه، رغم أنه غزا الممالك، لم يستطع أن يغزو ذاكرة من حوله. أتدري؟ في يوم اغتياله، وبينما طُعن ثلاثًا وعشرين طعنة، كان أحد قاتليه أقرب الناس إليه: بروتوس، الذي ربّاه كابنه.

“حتى أنت، يا بروتوس؟”

تلك كانت كلماته الأخيرة، ليست تعبيرًا عن الألم، بل عن خيبة الأمل في ذاكرة البشر. كم من مرةٍ قدّم لهم روما، فماذا قدّموا له في المقابل؟ سكاكين في ظهره.

وأنا؟ لم أطعن ظهرك، لكنني طعنت اللحظة التي كان يجب أن أكون فيها أول من يهنّئك.

أعرف أنك ستقول إن الأمر لا يهمك، ستكابر، ستتظاهر بأن الأيام كلها سواء، لكنني أعرف أنك، رغم كل شيء، تحمل ذاكرة أثقل من الجبال. أنت لا تنسى كما ينسى الآخرون، لأنك لا تمرّ على الحياة مرور العابرين. كل تفصيلة عندك تستحق التأمل، كل كلمة تعني أكثر مما تبدو عليه.

وأنت، الذي قضيت حياتك تهرب من القوالب، ترفض التسليم بالمسلّمات، تغوص في الأديان لا بحثًا عن يقينٍ جاهز، بل عن يقينٍ تستحقه… هل تعلم لماذا لم يتذكّر عقلي عيدك؟

لأنني لم أعد أراك جزءًا من الزمن، بل جزءًا مني.

كيف أهنئك، وأنت لا تعترف إلا بالأشياء التي تُبنى، لا التي تُمنح؟ لا أملك لك هدية ملفوفة في ورقٍ لامع، لأنني أعرف أنك لا تؤمن بالقشور، لكنني أملك لك اعترافًا لم أقدّمه لأحدٍ قبلك:

أنت أكثر من أخ، أكثر من صديق، أكثر من رفيقٍ للرحلة. أنت فكرةٌ حيّة، وأيّامك ليست مجرد أيّام… بل معارك، بحث، ولادة متجددة.

لذلك، لن أقول لك “عيد ميلاد سعيد”، بل سأقول لك:

مباركٌ عليك عامًا آخر من التمرد… من البحث… من أن تكون، كما كنتَ دائمًا، شيئًا لا يشبه أحدًا.

قبل aktub

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *